صدر حديثاً كتاب "العربية أداةً للوحدة والتنمية وتوطين المعرفة" لمؤلفه عبد العلي الودغيري عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ضمن سلسلة "قضايا"، يتناول العمل راهن اللغة العربية الفُصحى ومشكلاتها وتحدّياتها.
يتألّف الكتاب من خمسة فصول؛ في الأول منها يحصر الودغيري التحدّيات التي واجهَتها اللغةُ العربية في أربع موجات: الموجة الأولى برزت منذ بداية طريق النهضة العربية الحديثة، والثانية في جملة من العقَبات الجديدة التي وقفت في طريق اللغة العربية خلال مرحلة الاحتلال الأجنبي الاستيطاني الذي سيطر على البلاد العربية والإسلامية.
في حين ظهرت الموجة الثالثة في فترة ما بعد الاحتلال الاستيطاني لعدد من الدول العربية وحصولها على الاستقلال؛ فالاحتلالُ الأجنبي لم يكن ليغادر الأرض التي سيطر عليها إلا بعد تثبيت جذور لغته وثقافته، وغَرسِها في العقول والنفوس. أما الموجة الرابعة فهي موجة العولمة التي بدأت اقتصادية وتجارية وتحولت إلى دعوة إلى عولمة لغوية وثقافية.
أما الفصل الثاني، فيبحث فيه المؤلف في نموذج العولمة الذي فرض عبر الطريق الحريري الناعم الذي تتسرَّب بواسطته هذه المفاهيم وتنتقل إلى الناس من دون شعور ولا إبداء مقاومة، وطريق الفرض والإكراه والإلزام الذي يتم به نقلُ المفاهيم الغربية للعولمة التي يُراد تعميمُها إجباريًا، وتفرضُه بصورة أو بأخرى القوى العالميةُ المُهيمِنة. ويتناول أيضًا مسألة التعليم بشروط العولمة، واللغة العربية في سياق العولمة.
في حين يتطرق الكاتب في الفصل الثالث إلى علاقة العربية بالاقتصاد والتَّنمية باعتبارها كلمةٌ حلَّت مَحلَّ كلمة النَّهضة، وهناك شروط ضرورية كثيرة لقيام أيِّ إقلاعٍ اقتصادي واجتماعي وثقافي سليم أو تنميةٍ حقيقية شاملة لكل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أهمّها: أمنٌ واستقرارٌ سياسي واجتماعي؛ رأسُ مالٍ بشري؛ رأسُ مالٍ مَعرفي. بحسب المؤلف، استيرادُ المعرفة بلغاتها الأجنبية لا يؤدي إلى تحصين الثروة المعرفية وتحقيق ما يمكن أن نسمِّيه الأمن المعرفي.
وفي الفصل الرابع، يناقش الودغيري لغةُ التدريس وتدريسُ اللغات، ويرى أن الدعوة إلى تدريس الدارجة أو جعلها لغةً للتدريس ولو في المراحل الأولى ليست سوى مدخل لتنفيذ مخطط يرمي إلى الإجهاز على اللغة العربية والتمكين من وراء ذلك للّغة الأجنبية التي لم يستطع الاحتلالُ نفسُه أن ينشرها بالطريقة التي ينشرها اليوم، وإن الدعوة إلى ضرورة استعمال اللغة الوطنية المشتركة في تلقين كافة المعارف والعلوم لا يعني إقصاء اللغات الأجنبية أو تهميشها في العملية التعليمية، وإن الدعوة إلى استعمال العربية في التعليم أمرٌ طبيعي جدًا في كل بلد ينتمي إلى المجموعة العربية، وليس معناه القضاء على لغات وطنية ومحلّية أخرى.
ويتهم المؤلف الإعلام المسموع والمرئيّ بالتواطؤ ضد العربية والفصحى، فلا بد من إصلاحه ليقوم بدور المسانِد للمدرسة في خدمة اللغة الوطنية. ويرى أن تَغوُّل التعليم الخاص على العمومي من دون إخضاعه للمراقبة التربوية الصارمة، وإلزامه تطبيق مقرّرات الدولة ومناهجها وسياستها اللغوية، خطرٌ كبير يجب تصحيحُه.
وحول المسألة اللغوية عند النُّخَب الوطنية، يأتي الفصل الخامس ليطرح علال الفاسي نموذجًا، إذ يقول المؤلف إن النُّخَب التي قادت الحركة الوطنية التحرُّرية في المنطقة المغاربية من تونس إلى المغرب الأقصى انتبَهت مُبكِّرًا إلى مسلسلُ تهميش اللغة العربية من قبل الاستعمار الفرنسي والطَّعنِ في صلاحيتها وكفاءتها وتحريض أهلها عليها.
ويتناول الودغيري تجربة الفاسي أحدَ كبار زُعماء الحركة الوطنية التحرُّرية في المنطقة المغاربية، ومن أبرز مفكّريها ومنظِّريها قبل الاستقلال وبعده، وقد استماتَ في مَواقفه ونضالاته الميدانية وكتاباته التَّنظيرية دفاعًا عن اللغة العربية باعتبارها اللغةَ الوطنية المشتركة بين المغاربة وغيرهم من أبناء الدول العربية الأخرى.