عبد الحي مسلّم.. رحيل عن اللوحة-الذاكرة

02 اغسطس 2020
(1933 - 2020)
+ الخط -

يعدّ الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلّم (1933 – 2020) الذي رحل أمس السبت في عمّان، أحد أبرز الفنانين الفطريين في العالم العربي، بتجربته الممتدّة حوالي خمسة عقود هيمنت عليها موضوعات أساسية تتعلّق بتوثيق الحياة اليومية في الريف الفلسطيني وانعكاس الميثولوجيا الشعبية في الطقوس والعادات.

وُلد الراحل في قرية الدوايمة بالقرب من مدينة الخليل، وهجّرته العصابات الصهيونية منها عام 1948، حيث اشتغل في مهن عديدة قبل أن يلتحق بمنطمة التحرير الفلسطينية وينتقل إلى ليبيا، وهناك بدأ محاولاته النحتية الأولى وهو على مشارف الأربعين.

مزج مسلّم آنذاك بين الغراء ونشارة الخشب مشكلاً عجينة نفّذ بها أعماله الغائرة والنافرة (ريليف)، ليشارك في "معرض طرابلس الدولي للفن التشكيلي" عام 1971، ويواصل العمل من دون مرجعيات أكاديمية، وقد لاقى استحساناً وقبولاً نقدياً.

بدأ محاولاته النحتية الأولى وهو على مشارف الأربعين

بدأ بتشكيل رجال ونساء يرتدون أزياءهم الشعبية، ثم أصبح يقدّم مشهديات تحتوي تكوينات مركبة، وأدخل رموزاً حيوانية وأسطورية وكتابات شعرية، وبدأت تظهر العديد من العناصر في أعماله  مثل الأسلحة والناي والمحراث، وأدوات الحصاد والأواني، والأشجار كالنخيل والصبار والرمان والعنب والزيتون.

انطلق مسلّم من ذاكرته الأولى في قرية الدوايمة، بحسب مقابلات صحافية، ليوثّق موسم الحصاد وقطاف الزيتون، وحفلات الأعراس والطهور في الصيف، كما وثّق السهرات الشتائية في البيوت وممارسة ألعاب مثل الشدة والصينية أو الخويتمة وغيرها، مازجاً الأسطورة بالحياة اليومية لأن "الأسطورة مأخوذة من الحياة اليومية أصلاً وفعلاً . ثمة تعبير في الأسطورة عن الإنسان الخارق الذي صنعه الناس، وثمة تلك الأعمال الأسطورية لحشد من الناس كالأعراس ومواسم الحصاد وسواها من التجمعات التي فيها طقوس ترافق فعلهم أثناء فعلهم ذاك".

(من أعمال عبد الحي مسلّم)
(من أعمال عبد الحي مسلّم)

في صلب اشتغالاته على الهوية الجمعية للفلسطينيين، كانت المرأة مركز معظم الأعمال لتعكس حضورها الحقيقي في الواقع، وكذلك بعداً رمزياً تقصّده الفنان حول الصمود والثبات الذي تمنحه لكل المحيطين فيها، والأهم من ذلك ما تشير إليه من استمرار الحياة وديمومة أفعالها؛ المساحة التي أراد مسلّم تثبيتها حول الشعلب الفلسطيني ومقاومته المستمرة عبر الحياة اليومية.

وقد صدر عام 2011 كتابه "التراث الشعبي الفلسطيني في أعمال الفنان عبد الحي مسلم زرارة" الذي أعدّته وصمّمته الفنانة آلاء يونس وقدّم له وجمع مادته النقدية الفنان محمد أبو زريق، ويضمّ لوحاته/ منحوتاته تحت عناوين فرعية، إلى جانب شهادات لعدد من الفنانين والكتّاب الفلسطينيين والعرب منهم مصطفى الحلاج، وإسماعيل شموط، وأسعد عرابي، ونذير نبعة، وعز الدين المناصرة, ومحمود عيسى موسى، واقتباسات من حوارات صحافية أُجريت معه.

كتب الحلاج عنه: "العمل الفني عند مسلم أداة ووسيلة لتجسيد المفاهيم والقيم والأفكار والقضايا أحيانا، فيكتب بالخط العادي ما يرغب أن يعبر عنه لا يغلق الدائرة بل يفتحها على أوسع مدى من الإيحاءات. إنسان شعبي ريفي حتى العظم يملك ذاكرة واسعة وقدرة كبيرة على الملاحظة ويتضح ذلك في أعماله الغنية بالتفاصيل الدقيقة وفي استخدامه الكتابة كثيراً ما يكتب اسم العمل أو اسم الشخص الذي كان موضوع عمله ويكتب داخل نسيج العمل الفني بخط عادي أحيانا كما نمارس الكتابة في حياتنا اليومية وأحياناً بطريقة زخرفية..".

المساهمون