عباس وجحا وحـمـارهما

29 نوفمبر 2014
+ الخط -

زار جحا صديقاً له يعمل وزيراً عند الوالي في بلدة بعيدة، وكان يحكم هذه البلدة وال لا يميّز بين الحق والباطل، وكانت رعيته صابرة تحتسب أجرها عند الله، فيما غادر شباب كثيرون البلدة، هرباً من ظلمه وجهله!
وفي أحد الأيام، وبعد وصول جحا إلى البلدة بنحو أسبوع، طلع في رأس الوالي أن يعلّم حماره حروف الهجاء العربية، فاستدعى كبير الحكماء، وطلب منه تعليم الحمار، فاستنكر الحكيم هذا الكلام، وقال له:
"حمار ويتعلم؟! لم نسمع عن مثل ذلك في حياتنا، ولا في حياة آبائنا، وما قرأنا عن ذلك شبهاً في كتب الأقدمين"!
فغضب الوالي غضباً شديداً وأمر بنفي كبير الحكماء وإبعاده عن البلدة!
ثم أرسل الوالي من يعلن في ساحة البلدة أنّه سيقدم مكافأة عظيمة لمن يقوم بتعليم حماره حروف الهجاء، التي يجهلها الوالي نفسه.
فسمع جحا هذا الإعلان، وقرر الذهاب إلى الوالي، على أساس أنّه معلم قدير للحمير والبهائم!
وعندما علم الناس حاولوا منع جحا عن القيام بذلك، فهم أدرى منه بحاكم بلدتهم، لكن جحا لم يبال بكل ما سمعه منهم، واتجه مباشرة نحو قصر الوالي بثقة وإصرار!
وسمح له الحرس بالدخول إلى مجلس الوالي، بعد أن أخبرهم بأنه معلم خبير بالحمير. وقال جحا للوالي إنّه مغرم بتعليم الحمير، ولديه مدرسة كبيرة في بلاد بعيدة، تعلم الحمير الألف باء، وليس هذا فقط، بل تعلمهم أيضاً اللغات الأجنبية.
ففرح الوالي فرحاً شديداً، وأمر بصرّة من الدراهم الذهبية، إكراماً لهذا الفهيم الذي يعرف قيمة الحمير!
واتفق الوالي مع جحا أن يبدأ بتعليم الحمار فوراً، وأمر بأن يعطى جحا داراً وخدماً!
واشترط جحا على الوالي أن يتم تعليم الحمار في غرفة تعد خصيصاً لذلك داخل قصر الوالي نفسه، وأن يعطيه الوالي مهلة عشر سنوات، وأن يشارك الوالي يومياً ساعة كاملة في الحصص الدراسية التي سيقدمها جحا للحمار، وأن يشاركه في حل الواجبات! فوافق الوالي تقديراً منه لهذا المعلم القدير، وقرر صرف راتب له طوال هذه المدة معلناً أنّه لو نجح في تعليم الحمار فسوف يعطيه جائزة كبيرة تضمن له العيش بثراء طوال حياته، وحذره من فشل مهمته قائلاً:
"لو فشلت، يا جحا، في تعليم الحمار، فسوف أسجنك وأضربك بالسياط ما دمتُ حياً". وقبل جحا بشرط الوالي، وتعهد بذلك أمام حاشيته ووزرائه الذين استغربوا بشدة هذا التهور من جحا، واعتبروا عمله جنوناً. فلما خرج جحا من مجلس الوالي استوقفه صديقه الوزير وقال له:
"أيّها الأحمق.. كيف تطلب لنفسك هذه المهمة؟! وكيف توافق على شرط الوالي؟! أمجنون أنت!".
فضحك جحا طويلاً وقال:
"يا أخي، في هذه السنوات القليلة، سأبذل جهدي لتعليم الحمار، فإن لم يتعلم، وذلك مؤكد فسوف يتعلم الوالي، وعندها سيميز ما بين الخطأ والصواب، وأكون بذلك قد خدمته، وخدمت البلدة كلها، أمّا إذا لم يتعلم أحد منهما، فسأطلب تجديد المهلة، مدعياً أنّ الحمار بدأ يتعلم، ولكنّ ذهنه غليظ، ويحتاج إلى فترة زمنية أطول، وفي هذه الفترة، إمّا أن أجنّ أنا أو ينتهي عمري فأموت، أو يتعلم الوالي أو يجنّ، أو ينتهي عمره فيموت، أو يموت الحمار، أو تقوم السّاعة فنموت جميعاً".
وراح صديق جحا الوزير يضحك من أعماق قلبه.
فقال جحا:
"قل لي الآن، من منا الأحمق أيّها الذكي؟"
المؤكد أن معلم الحمير جحا قد مات، وكذلك الوالي، والغريب والمدهش أن حمار جحا ما زال يعشعش في مستنقعات فضائيات العار والرذيلة العربية، وقد تعلم اللغة العربية، واللغات الأجنبية أيضاً، بل واستحق لقب الدكتور بكل جدارة وحمورية، وتستضيفه القنوات الفضائية تحت مسمى "خبير استراتيجي ومحلل سياسي"!
والشاهد على ذلك ما نشاهده، هذه الأيام، من شخص يطلق عليه زملاؤه من أيام الدراسة لقب "الأهبل"، وهو يعترف بذلك. "حمار جحا" هذا امتلك قناة فضائية يعرض فيهـا خزعبلاتـه وتصريحاته المثيـرة للسخريـة، حيـث أصبـحت فيديوهاتـه المضحكـة تنافـس أقـوى الأفلام الكوميديـة بعـدد المشاهـدات، ومنها التي طلب فيها من محمد البرادعي أن يعرف "كم رزاية في صباع المحشي؟!". 
وفي الوقـت الذي كانـت فيـه غـزة تذبـح وتتعـرض لأبشـع المجـازر على أيدي القوات الصهيونية، فوجئنـا بتصريحـات "حمار جحا" التـي تهجـم فيهـا علـى أهـل غـزة، ووصفهـم بأبشـع الأوصـاف، حتـى وصلـت به الحقـارة والخسة والنذالة إلى أن يرفـع حذاءه بوجـه أهـل غـزة، ورفـع "القبعـة" لجيـش إسرائيل وشعبها وقادتها، ووصفهم بالرجال لذبحـهم أطفال وأهل غـزة، حيـث أثـارت هذه التصريحـات كل إنسـان عربـي شريـف غيـور على دينـه وأهلـه في فلسطيـن.
وبعد إشادة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس بـ "حمار جحا"، وظهور الأخير على التلفزيون الرسمي الفلسطيني ليكيل الشتائم لشعب قطاع غزة والمقاومة أمام ضحكات المذيعة "الأمورة"، تقدم "حمار جحا" ببلاغ إلى النائب العام المصري، يطالب فيه بترحيل القيادي، موسى أبو مرزوق، من مصر، وتعهد على الهواء بخطف أبو مرزوق من منزله في القاهرة!
وهنا، علينا أن نسأل رئيس السلطة، صاحب شعار "التنسيق الأمني المقدس مع العدو الصهيوني"، عن مغزى إشادته بهذا المتخلف العقلي؟

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)