شعاع نصر لا يخبو وميضه

14 فبراير 2015
+ الخط -

يأتي إفراج سلطات الاحتلال الإسرائيلية عن الطفلة الفلسطينية البطلة، ملاك يوسف الخطيب، التي لم تكمل الرابعة عشرة من عمرها، بعد أن مكثت في سجون العدو شهرين، بتهمة إلقاء الحجارة على جنوده، ليلقي مزيداً من الضوء على الطفل الفلسطيني، معاناته وأوضاعه، بطولته ومستقبله. فالطفل الفلسطيني، خلافاً لكل أطفال العالم، يولد وهو يحمل معاناته معه، فإما يولد بعيداً عن أرض وطنه، أو يولد ويترعرع تحت سطوة المحتل، وتكبر معه معاناته، وتكبر فيه المقاومة والشعور بالعداء لمحتلي أرضه، ومن هذه المعادلة البسيطة، تنمو شخصية الفلسطيني المقاوم.

إنهم أطفال فلسطين، جيل الانتفاضة، أطفال الحجارة، أبطال النصر الذين امتشقوا أحلامهم ومآسيهم والحجر، فارضين على العالم صورة جديدة للطفل، مجترحين معجزة المواجهة المريرة بأكثر الأدوات بساطة.
هم شعاع النصر الـذي لا يخبو وميضه، وهم المشروع المستقبلي، وعدة المجابهة التاريخية للمشروع النقيض على أرض وطنهم، مشروع تكريس الاحتلال والهيمنة والتوسع الإسرائيلي.
هؤلاء الأطفال الذين كبروا بفعلهم في عيون الدنيا قاطبة يشكلون أحد استهدافات المخطط الصهيوني لتدمير الذات الفلسطينية، وإن استهدافهم يعني استهداف بذور تتحرك بتسارع على أرضية الصراع والمواجهة، وتومئ إلى مستقبل يشرع أبوابه على أفق التحرر والاستقلال.
لقد استيقظ هؤلاء الأطفال في ظلام الاحتلال على طفولة شقية موزعة بين حلم الانعتاق وحنين الاستقلال، وفي كلتا الحالتين، كان البحث عن الهوية وتأكيدها هاجساً ينمو مع العمر.
تنوعت الأساليب العدوانية التي مارستها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الطفل الفلسطيني، فاتخذت أشكالاً مختلفة، كالقتل المتعمد إلى الحرمان من التعليم بإغلاق المؤسسات التعليمية مدداً طويلة، إلى جانب اتخاذ المدارس ثكنات عسكرية، وتدمير أثاثها وأدواتها، وإطلاق صفارات الخطر لترويع الأطفال، ومنعهم من النوم، واستخدام الأساليب النفسية، مثل ضرب الآباء أمام الأبناء، واقتياد الأطفال إلى أماكن خالية، وضربهم بعنف، الأمر الذي أدى، أحياناً، إلى خرس مفاجئ أو فقدان للوعي، وفرض منع التجول على أحياء ومخيمات عديدة لمدد طويلة، تتجاوز شهوراً، وما يترتب على ذلك من نقص لحليب الأطفال والأغذية ومراجعة الأطباء.
ولد آلاف الأطفال الفلسطينيين بعد أن دخل آباؤهم السجن، ولم يروهم إلا بعد سنوات عديدة، وآلاف الأطفال ما زالت مناظر هدم المنازل التي ولدوا وعاشوا فيها، أو هدم منزل الأقارب والجيران ماثلة أمامهم، وصورة الجنود المدججين بالسلاح، وهم يقومون بعملية النسف، أو الهدم لن تغادر ذاكرة هؤلاء الأطفال، فقد انطبعت فيها إلى الأبد.
لم يأت تركيز العدو الصهيوني على قتل أطفال الشعب الفلسطيني عشوائياً، وإنما جاء ضمن خطة صهيونية بعيدة المدى، تمضي في اتجاهات متعددة، لتصل إلى هدفها النهائي، وهو شن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، ابتداءً من الإبعاد والتهجير القسري الذي ينفذه الاحتلال الإسرائيلي، ومروراً بتهويد وضم ومصادرة الأراضي، إلى القتل اليومي للأطفال والنساء والشيوخ والأجنة في بطون النساء، وحرق الفتيان الصغار في براميل القمامة، ودفن الأحياء في التراب، واختطاف المستوطنين الأطفال وقتلهم في مناطق نائية!
نذر الطفل الفلسطيني الذي أمسك بالحجر نفسه لأن يكون مشروع شهيد، وها هي قائمة شهداء الانتفاضة من أطفال فلسطين تتطاول وتتزاحم فيها أسماء.

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)