يمكن وصف العام المنصرم، إعلامياً، بعام الخيبة والإخفاقات. ويمكن اعتباره واحداً من أسوأ السنوات التي مرت على الثورة السورية وهي تمضي باتجاه سنتها الخامسة دون أن تحقق انتصاراً حاسماً على النظام... بل على العكس تماماً، فقد هزمت في معركتها الإعلامية، لا بسبب افتقارها إلى الكوادر، ولكن بسبب عدم وجود مشغّلين حقيقيين مؤمنين بالثورة، وممولين مغامرين قادرين على تحمّل أعباء الاستمرارية.
الثورة السورية خارج المعركة الإعلامية
ويعتبر صحافيون وإعلاميون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن النظام تمكّن من كسب جولة في المعركة الإعلامية، وإنْ بوسائل قذرة، استخدمها من خلال وسائل إعلامه التي وصفها بعضهم بالسلاح القاتل والشريك الفعلي في جريمة ذبح السوريين المنظّمة المستمرة منذ منتصف آذار\ مارس عام 2011.
الثورة السورية خارج المعركة الإعلامية
ويعتبر صحافيون وإعلاميون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن النظام تمكّن من كسب جولة في المعركة الإعلامية، وإنْ بوسائل قذرة، استخدمها من خلال وسائل إعلامه التي وصفها بعضهم بالسلاح القاتل والشريك الفعلي في جريمة ذبح السوريين المنظّمة المستمرة منذ منتصف آذار\ مارس عام 2011.
احتلت سورية، كما كان متوقعاً، مرتبة متدنية في مجال حرية الصحافة، واعتبرت المكان الأخطر عالمياً على العمل الصحافي، وقد تعددت فيها الانتهاكات، وطالت العاملين في جميع المجالات، وإن كان هذا العام الأقل من حيث عدد المعتقلين من الصحافيين، ربما بسبب انحسار العمل الإعلامي داخل مناطق سيطرة النظام واقتصاره على بعض الناشطين والإعلاميين الذين يعملون بأسماء حركية، أو في المناطق التي لا تخضع لسيطرته، لكن استمرار اعتقال عدد من الصحافيين منذ سنتين أو ثلاث سنوات يتواصل، إذ تواصل السلطات اعتقال كل من مازن درويش وجهاد أسعد وآخرين، دون توجيه أي تهمة إليهم.
فُجع الإعلاميون السوريون، خلال الشهر الأخير من هذه السنة، بجريمة مزدوجة بحق الإعلام ارتكبتها قوات النظام في مدينة درعا راح ضحيتها أربعة من الإعلاميين جراء استهدافهم بالقصف بصاروخ موجّه من قبل قوات النظام. ما عدا ذلك، استمر استهداف الناشطين الإعلاميين، ليس فقط من قبل قوات النظام، ولكن من قبل عدد من التنظيمات المسلحة الراديكالية، وقد شهد هذا العام حادثة هي الأولى من نوعها عندما قامت إحدى فصائل المعارضة بتصفية "الناشط الإعلامي" قيصر حبيب في مدينة درعا أيضاً إثر خلاف أدى إلى مقتل قائد في الجيش الحر كذلك. وكان حبيب واحداً من أبرز الناشطين الإعلاميين الذين نقلوا تفاصيل الأحداث التي تشهدها المنطقة الجنوبية منذ الأيام الأولى للثورة.
وتصبّ هذه الحادثة، كما حوادث أخرى، في خانة فشل الإعلام الثوري وتحوّله إلى عبء على الثورة بعد أن كان، وخلال السنتين الأوليين، واحداً من أهم أسلحتها، وذلك بسبب اعتماده على الكوادر غير المحترفة من جهة، وبسبب عدم إيلائه الأهمية من قبل تكتلات المعارضة الرئيسة. ويبدو أن هذا الأمر تحديداً قد التفت إليه الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة ولو متأخراً، فعقد اجتماعاً موسعاً في مدينة اسطنبول التركية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر ضم مَن وُصفوا بالخبراء والإعلاميين، لأجل التباحث في أوضاع الإعلام السوري المعارض طبعاً، وقد وعد رئيس الائتلاف هادي البحرة بأن يتم منح الإعلام الأهمية التي يستحقها نظراً "لدوره الأساسي في دعم الثورة"، وخرج المجتمعون بتوصيات ورؤى، كما جاء في بيانهم الختامي، إلا أن ذلك سيظل حبراً على ورق، كما رأى بعض منتقدي الاجتماع، الذي استثنى العديد من وسائل الإعلام البديل، وأغفل كلياً دعوة إعلاميين من الداخل من الذين يعايشون الحدث بتفاصيله الصغيرة والكبيرة.
أين الحدث السوري في الإعلام؟
لم تخلُ نشرات الأخبار على وسائل الإعلام العربية والعالمية من الخبر السوري، بشقّيه السياسي والميداني، لكن، وعكس السنوات السابقة، فقد تراجع الخبر السوري على شاشات الفضائيات الإخبارية العربية من حيث الترتيب، فبعد أن كان خبراً رئيساً ويحتل حيّزاً لا بأس به من النشرات الإخبارية، انسحب ليحل ثالثاً أو رابعاً، وفي أحسن حالاته قد يكون خبراً ثانياً، وقد بدأت طريقة تعاطي تلك القنوات تخلو من "التعاطف" مع الضحايا الذي كان تبديه سابقاً، لتتحول المتابعة إلى متابعة لحدث يومي عادي.
من جهتها، اهتمّت وسائل الإعلام العالمية بتحركات تنظيم الدولة الإسلامية ومعاركه بمعزل عن الحدث السوري، واحتل التنظيم، الذي يحاربه التحالف الدولي منذ أربعة أشهر، فاتحة النشرات الإخبارية، وقد تركزت الأنظار، وعلى مدى شهرين تقريباً، على مدينة "كوباني" في ريف حلب والتي ما زالت المعارك مستمرة فيها حتى الآن بين تنظيم الدولة من جهة وبين عدد من الفصائل الكردية وقوات البشمركة من جهة أخرى والتي تنال مؤازرة كبيرة من طائرات قوات التحالف التي تقوم بقصف مواقع تنظيم الدولة.
وفي ظل عدم وجود إعلام تلفزيوني بديل قادر على إعطاء الخبر السوري قيمته، استفرد ـ إنْ جاز القول ـ إعلام النظام بالتغطية وفق رؤيته الخاصة، وافتقد المتابعون إلى صوت آخر ينافس إعلام النظام، واعتمد المتلقي على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الأحداث، فيما تعاني وسائل الإعلام المطبوعة من تضييق كبير، وعدم قدرة على الوصول إلى المواطنين بسبب محاربتها لا من قبل قوات النظام فحسب، بل من قبل تنظيم الدولة الإسلامية وبعض الفصائل المتطرفة الأخرى... هذا، رغم أن العديد من تلك المطبوعات تعاني من ضعف في التمويل ومن ظروف صعبة جداً للعمل، وخاصة تلك التي تصدر في الداخل، إلا أنها استطاعت الاستمرار محاولة قدر المستطاع نقل صورة لما يحدث وفق رؤية ثورية غير خاضعة لشروط الرقابة، ويتم توزيع تلك المطبوعات بطريقة أشبه ما تكون بتوزيع منشورات العمل السريّ، وهي تصل إلى عدد محدود من الناس.
من جهتها، اهتمّت وسائل الإعلام العالمية بتحركات تنظيم الدولة الإسلامية ومعاركه بمعزل عن الحدث السوري، واحتل التنظيم، الذي يحاربه التحالف الدولي منذ أربعة أشهر، فاتحة النشرات الإخبارية، وقد تركزت الأنظار، وعلى مدى شهرين تقريباً، على مدينة "كوباني" في ريف حلب والتي ما زالت المعارك مستمرة فيها حتى الآن بين تنظيم الدولة من جهة وبين عدد من الفصائل الكردية وقوات البشمركة من جهة أخرى والتي تنال مؤازرة كبيرة من طائرات قوات التحالف التي تقوم بقصف مواقع تنظيم الدولة.
وفي ظل عدم وجود إعلام تلفزيوني بديل قادر على إعطاء الخبر السوري قيمته، استفرد ـ إنْ جاز القول ـ إعلام النظام بالتغطية وفق رؤيته الخاصة، وافتقد المتابعون إلى صوت آخر ينافس إعلام النظام، واعتمد المتلقي على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الأحداث، فيما تعاني وسائل الإعلام المطبوعة من تضييق كبير، وعدم قدرة على الوصول إلى المواطنين بسبب محاربتها لا من قبل قوات النظام فحسب، بل من قبل تنظيم الدولة الإسلامية وبعض الفصائل المتطرفة الأخرى... هذا، رغم أن العديد من تلك المطبوعات تعاني من ضعف في التمويل ومن ظروف صعبة جداً للعمل، وخاصة تلك التي تصدر في الداخل، إلا أنها استطاعت الاستمرار محاولة قدر المستطاع نقل صورة لما يحدث وفق رؤية ثورية غير خاضعة لشروط الرقابة، ويتم توزيع تلك المطبوعات بطريقة أشبه ما تكون بتوزيع منشورات العمل السريّ، وهي تصل إلى عدد محدود من الناس.
وكما هو حال باقي وسائل الإعلام البديل، فإن الإذاعات لا تبدو أفضل حالاً، وخاصة أنها لم تتمكن من تغطية كافة الأراضي السورية، واقتصرت على بعض المناطق القريبة من الأراضي التركية التي توجد مقرات تلك الإذاعات فيها. وإن كانت التجارب الإذاعية تبدو أكثر تماسكاً من التجارب التلفزيونية، إلا أن عدم قدرتها على الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور يجعل دورها ثانوياً، على الرغم من أنها تبدو موفّقة أكثر في الدعوة إلى الحفاظ على بنية المجتمع السوري من خلال برامجها التي تؤكد على الوحدة الوطنية، وعلى التنوّع، ورفض كافة أنواع إقصاء الآخر.
إلى ذلك، يبدو العامل المشترك بين كافة وسائل ما يسمى "بالإعلام البديل" هو افتقارها إلى التمويل الذي يدفعها إلى الأمام، ويحولها إلى إعلام مؤثر وقادر على ملء الفراغ الذي أحدثه عزوف الناس عن متابعة إعلام النظام الذي يوصف بالقاتل. وبهذا، وكما قال العديد ممّن التقتهم "العربي الجديد"، فإن العام 2014 يمكن أن يوصف وبكل سهولة بأنه عام للخيبة الإعلامية، ولكن المشاريع المستقبلية قد تكون قادرة على تجاوز هذه الخيبة، وإعادة الإعلام ليكون سلاحاً مؤثراً في دفع الثورة إلى الأمام بدل أن يكون عبئاً عليها.