حين نزل عِلمُ المصريات إلى الأرض مع الحملة الفرنسية، بحَث العلماء عن طريقة غير مكلفة للتقدّم في مشاريعهم من خلال الحفريات أو تتبّع القرائن في دهاليز مظلمة.
نظروا حولهم فوجدوا أن المصريين (سمّوهم سكاناً أصليين) هم "الحل السحري" (بفضل فقرهم)، لذلك عرضوا مبالغ مجزية عليهم، حتى إن التعاون في الحفريات صار مجال تنافس بينهم، لتحجب الأموال ما يمكن أن يتعرّضوا إليه من مخاطر الدفن المؤبّد.
ظاهر الأمر يبدو اتفاقاً في مصلحة الطرفين؛ عالم المصريات والعامل المصري. الأول يبحث عن وسيلة يتقدّم بها في أبحاثه، والثاني يحقق مقابلاً مادياً يؤمّن له معيشة بعيدة عن الفقر. في الواقع، لم يكن الاتفاق في مصلحة كليهما كما يبدو، فعالم المصريات أخفى الكثير، بل مخرجات العملية كلّها (نقْل الآثار إلى بلاده، قيمتها المالية والتاريخية..).
قد يصح القول إنه لم يكن ممكناً وقتها التقدّم في علم المصريات من دون هذه العملية الاستغلالية، لكن ألا يكفي مرور قرنين لأخذ الدرس؟
إن اتفاقيات عالم المصريات والعامل المصري يمكن نقلها إلى سلّم أكبر؛ علاقات الدول والشعوب وتوسيع دائرتها باتجاهات عدة؛ اقتصادية وعسكرية وثقافية وغيرها. وكما هو الحال بالنسبة إلى الأولى، فإن الحقيقة تقع دائماً في عقل الطرف القوي في الاتفاق، وهناك ينبغي أن يتجه تفكير الطرف الثاني.