عار الاستقالة

06 أكتوبر 2016
نادراً ما يستقيل وزير أو مدير (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

عند استعراض المشهد السياسي العربي، يتوقف المتابع عند مفارقة لافتة، تكاد تبدو وكأنها "الثابت" الوحيد في رمال متحركة أو متحولة في أقطارنا العربية من المحيط إلى الخليج، بصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي.
إذ نادراً ما تسمع عن استقالة مسؤول أو مدير أو وزير، ناهيك طبعاً عن استقالة "قائد" أو زعيم. فأصحاب السيادة والمعالي والسعادة في بلداننا العربية لا يستقيلون حتى لو انقلبت الأرض من حولهم. وإذا ما حصلت بعض الحالات الاستثنائية، التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فغالباً ما يستقيل هؤلاء إما لحفظ ماء الوجه، عندما يخيّرون من "ولي الأمر" بين الاستقالة أو الإقالة، أو طمعاً في منصب أرفع.

ويُحسن أصحاب المقامات الرفيعة في العالم العربي تغليف تمسكهم بالمنصب، بمبررات غالباً ما تكتسي طابع "الوطنية"، ذلك أن المنصب "تكليف وليس تشريفاً"، وبالتالي لا يجب الانسحاب أو التراجع عن هذا التكليف، حتى في أقصى حالات الإخفاق. بل إن بعض الزعماء الذين هُزموا في مهام تاريخية، وجروا بلادهم إلى ويلات أرجعت البلاد والعباد قروناً من الزمن إلى الوراء، قد تعللوا بأنهم "لا يسعون إلى المنصب"، وإنما يتحملون عناء القيادة بتكليف من الشعب، الذي تظاهر في الشوارع مُبايعاً.

ولا يقتصر هذا التمسك بالموقع، والامتناع عن الاستقالة، على المواقع الرسمية في الدول العربية، بل ينسحب على زعماء الأحزاب، وحتى على القيادات النقابية، إذ لا غرابة أن الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية لم تُجدد قيادتها منذ عقود. ولا يبدو مدهشاً في العالم العربي عندما ترى "أميناً عاما" لحزب أو تنظيم يتربع على عرش اللجنة المركزية أو المكتب السياسي أو الهيئة الإدارية طيلة نصف قرن ونيف.

لا يستقيل أصحاب المقامات الرفيعة، أو قادة الأحزاب والتنظيمات في العالم العربي، وكأن الاستقالة عار أو حرام، ويتمسكون بعروشهم حتى تُرفع نعوشهم، فقد أقسموا أن "يخدموا" الشعب والأمة حتى آخر نفس. بل إن منسوب "الوطنية" الفائض، يدفع بالكثير من الزعماء، وحتى الوزراء والنواب والمدراء إلى متابعة مسيرة "خدمة" الوطن من داخل القبر. يُدهشك المُزمنون من أصحاب المقامات الرفيعة، عندما يتذمرون من أعباء المنصب، ويتمنون "العلاج" من أثقال كرسي المسؤولية، الذي لا يشدهم إليه إلا الشعور الكثيف بـ"المسؤولية الوطنية".

دلالات