يُعدّ الجزائريون من المجتمعات الأخيرة التي صمدت أمام موجة المولات التجارية التي اجتاحت العالم منذ الثمانينيات، وانتشرت هذه الأخيرة في أوروبا الغربية آتية من الولايات المتحدة الأميركية، قبل أن تصل إلى الدول العربية لاسيما الخليجية منها حيث تعرف هذه المولات رواجًا كبيرًا في هذا الوقت في الجزائر، ربّما بفعل الماضي الاشتراكي، حيث استمرّت الأسواق بالصيغ القديمة في توفير خدمة ملتقيات للتبضّع لا غير.
ويتميّز النظام القديم بقدر كبير من الإكراهات. فحينما يرغب المشترون في التسوّق لشراء منتجات من ماركات عالمية يقصدون محلّات معينة متباعدة فيما بينها وسط المدن الكبيرة. في المقابل، عرف الكثير من الجزائريين اليوم، أسواقًا تشتهر بالمنتجات المستوردة والأسعار المنخفضة على غرار ما يعرف بـ "سوق دبي" في مدينة العلمة، أو سوق تاجنانت (الشرق الجزائري). ولم تكن هذه الأسواق تلبّي احتياجات الراحة والترفيه وكذلك شغل الأطفال المتنقّلين رفقة عائلاتهم. كما تتطلّب التنقّل باكرًا، ولا تتوفّر على المرافق اللازمة للراحة العائلية، لذا غالبًا ما يستبعد التوجّه إليها مع الأطفال والأسر.
وفي الوقت الذي يتناقص فيه تشييد هذه المراكز التجارية في بلدانها الأصلية، كندا والولايات المتحدة الأميركية بسبب التشبّع، اندلعت النزعة الجديدة هنا منذ 2008، بداية من ولاية البليدة (غرب العاصمة) حيث ظهر أوّل فضاء ضخم للتسوقّ في الجزائر.
يُعد "فاميلي شوب"، أوّل احتكاك للجزائريين مع هذه الأسواق الضخمة العصرية، وبسرعة برزت النقائص الكبيرة لفضاء التسوّق هذا الذي لا يوفّر خدمات أخرى ما عدا البيع. بعد ذلك، أتى المركز التجاري "باب الزوار" بالعاصمة الذي افتتح أبوابه في 2009، على نمط أوروبي، يحتوي هذا المول على محلات لماركات عالمية وفضاء للتسوّق. ولكن الأهم من ذلك أنه يحوي فضاءات ترفيهية للكبار وللأطفال وقاعة رياضية ومطاعم ومقاهي، تتيح الفرصة للعائلات للارتياح من التسوق المرهق. وأكثر من ذلك، تقصد الكثير من العائلات المول لا من أجل التسوق بل للنزهة حيث تتناول وجبة في الفضاءات والمطاعم المتعدّدة المتاحة، وتسمح لأبنائها باللعب في الفضاءات الكثيرة المخصّصة لذلك.
أمام النجاح الذي عرفه هذا المركز التجاري، بسرعة وعلى مقربة منه في منطقة المحمدية، برز مركز تجاري آخر بنفس مميزات "أرديس". حيث يتميز هذا الأخير أولا بموقعه الرائع حيث يتمتّع بواجهة بحرية تتيح للعائلات فرصة تمضية سهرات صيفية ورمضانية إلى غاية الساعات الأولى للفجر. كما أنه مثل سابقه يضم محلات لماركات عالمية كبيرة، وأيضًا فضاءات للترفيه ومسبحًا كبيرًا للألعاب المائية في 2016، تجسّد نجاح هذا المركز التجاري بافتتاح نسخة أخرى، مركز تجاري "أرديس" آخر في عاصمة الغرب الجزائري، وهران، بمنطقة بير الجير تحديدًا. وقد عرف نجاحًا مضاهيًا لسابقه حيث تتوافد عليه العائلات لاسيما في عطل نهاية الأسبوع للترفيه أولًا، ثم للتسوّق بعدها.
المدينة التجارية سطيف، بدورها أخذت نصيبها مع "بارك مول" سطيف الذي تم تدشينه في فبراير/ شباط 2016. ويعد هذا المركز التجاري الأكبر في الجزائر. وقد أتى ليشغل بناية كبيرة تفوق العشرين طابقًا بقيت غير مستغلة لسنوات عديدة.
يضمّ هذا المركز التجاري مرافق مشابهة للتي في المولات الأخرى، ولكنه حاول التميز بتخصيص قاعة مسرحية وأخرى للعروض الفنية، كما أنه يحتوي على قاعة محاضرات. وسعى لاستجلاب فضاءات للترفيه على النمط الغربي على غرار غرف ألعاب الليزر والبولينغ أيضًا. يضم هذا المركز أيضا فندقًا من السلسلة العالمية الماريوت، ليشكل عامل تميز آخر له مقارنة بنظرائه.
من جانبها، تسعى سلسلة المراكز التجارية "رتاج"، لاكتساب مكانة وسط هذا القطاع الآخذ في الرواج، وإن لم تكن بالشهرة نفسها، فإنها توفّر مركزين، واحدا في الشرق الجزائري، بالمدينة الجديدة علي منجلي، وآخر في أكبر مدينة بالغرب الجزائري، وهران.
تبقى النقطة السلبية الأساسية لهذه الفضاءات متمثلّة في غلاء الأسعار، حيث يعدُّ اقتناء مشتريات فيها غير متاح لكثيرين. فالتنقل إليها رفقة العائلة يقتضي إنفاق مبالغ كبيرة قد تصل إلى الراتب الشهري كاملًا. لذا يتفادى أرباب الأسر التردّد عليها كثيرًا. ويباعدون بين الزيارات بسبب المطالب الأسرية خاصّة من الأبناء الذين لن يستطيعوا تلبيتها، ورغم ذلك، لا يمكن إلا تأكيد أن كثيرا من الأسر الجزائرية قد تبنّت بشكل لا يمكن الرجوع عنه عصر الاستهلاك الواسع رغم الغلاء الذي تعرفه هذه المراكز في ظل انخفاض قيمة الدينار الجزائري. فإغراءات هذا النمط الاستهلاكي يصعب الصمود أمامه، مع اختفاء حقبة الشعارات الاشتراكية التي تغنّى بها الشباب في عهد مضى.