لم يتبق لعائلة صب لبن المقدسية من أمل في البقاء بمنزلها المتواضع في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة من القدس، سوى التوجه إلى المحكمة العليا الاسرائيلية لإحباط محاولة جمعية عطيرات الاستيطانية الاستيلاء عليه بداعي أنه مملوك ليهود.
هذا ما أكده للعائلة المحامي محمد دحلة، محامي الدفاع عن العائلة، بعد أن رفضت المحكمة المركزية الاسرائيلية طلباً للمحامي دحلة، بوقف إخلاء وشيك للعائلة التي عاشت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية لحظات عصيبة، بعد أن تلقت إخطاراً من شرطة الاحتلال الليلة الماضية يطالبها بإخلاء المنزل تنفيذاً لقرار قضائي، وهو ما رفضته العائلة، واعتصمت داخل منزلها، لينضم إليها العشرات من المواطنين الفلسطينيين متضامنين معها هم وممثلو وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.
ولا تزال العائلة المكونة من ثمانية أفراد متشبثة بالمنزل، وسط حالة من القلق والتوتر الشديدين تسيطر عليها، خصوصاً على المسنة صاحبة المنزل التي أعيتها المحاولات المتكررة من قبل المستوطنين للاستيلاء على منزل يحمل كل ذكرياتها وذكريات العائلة التي استقرت فيه منذ العام 1956 بموجب عقد إيجار كانت قد وقعته مع حارس أملاك العدو أرالدني الجنسية، ومنه انتقل الإيجار إلى حارس أملاك إسرائيلي، وظلت على مدى سنوات طويلة وحتى اليوم ملتزمة بسداد إيجار البيت، قبل أن تتقدم جمعية عطيرت كهانيم الاستيطانية بقيادة متتياهو دان، الذراع التنفيذية للمليونير الأميركي اليهودي إيرفينغ موسكوفيتش الممول الشهير والرئيس للاستيطان في القدس، بطلب استرداد المنزل بدعوى أنه أملاك يهودية وأن عائلة صب لبن لا تقيم فيه حسب إدعاء تلك الجمعية، وهو ما تنفيه العائلة، وتؤكد أنها لم تغادر منزلها، وهي باقية فيه.
ويقول بسيم سليم القدومي، الناطق باسم حي القرمي والسرايا والخالدية، إن البيت الذي تقيم فيه عائلة صب لبن، يقع ضمن بناية تاريخية تعود إلى الحقبة المملوكية والعثمانية، وكانت العائلة قد استأجرته من "حارس الأملاك" الأردني قبل عام 67، نافياً أن يكون للمستوطنين حق في المنزل، مؤكداً أن ما يجري الآن محاولة للسيطرة بالقوة على البناية بكاملها.
وتبلغ المساحة الإجمالية للعقار، المكون من منزل ومحل تجاري 150 متراً مربعاً، ويقع وسط عقبة الخالدية على تخوم المسجد الأقصى من الناحية الغربية، حيث لا يبعد عنه سوى عشرات الأمتار القليلة. وبالقرب من المنزل يقع المقر الرئيس لجمعية "عطيرات كهانيم" حيث يقيم في مقر الجمعية متتياهو دان الناشط الرئيس في الاستيلاء على عقارات مقدسيين في البلدة القديمة من القدس، ويرتبط بعلاقات وثيقة جداً مع أرييه كينغ عراب آخر للاستيطان اليهودي في القدس، والذي تعهد أخيراً بتجريد المقدسيين في البلدة القديمة، وسلوان، والشيخ جراح من مزيد من العقارات التي يقيمون فيها بادعاء أنها أملاك يهودية.
وبالقرب من المنزل ذاته، حوّلت الجمعيات الاستيطانية مباني وعقارات استولت عليها في ذات المنطقة إلى مدارس تلمودية، أشهرها "شوفوبنيم"، وهي واحدة من عدة مدارس تضم في صفوفها عناصر متطرفة من التائبين من إجرام العالم السفلي، كما تضم في صفوف هؤلاء عناصر ذات خبرة عسكرية واسعة. فيما حوّلت عقارات أخرى إلى نُزُل لإقامة تلاميذ المدارس الدينية.
ويلاصق عقبة الخالدية حيث منزل عائلة صب لبن، حي القرمي المقدسي المهددة منازله بالانهيار، وتتركز في الحي أيضاً بعض البؤر الاستيطانية، فيما يقدر الباحث المختص في شؤون العقارات بالبلدة القديمة هايل صندوقة مجموع البؤر الاستيطانية داخل أسوار البلدة القديمة بنحو 75 بؤرة، تسعى جمعيات الاستيطان اليهودية لربطها بالحي الاستيطاني اليهودي الذي أقيم على أنقاض حارة الشرف الفلسطينية.
ومن شأن الاستيلاء على عقار عائلة صب لبن، وهو ما بات وشيكاً في أية لحظة، بعد قرار المحكمة المركزية الليلة الماضية، أن يضاعف من قوة ونفوذ جمعيات الاستيطان في البلدة القديمة، خصوصاً في الحزام العمراني المحيط بالمسجد الأقصى من ناحيته الغربية، حيث تعتقد هذه الجماعات المتطرفة أن سيطرتها على مزيد من العقارات في الخالدية والسرايا والقرمي وشارع الواد، ستمكنها من الاقتراب أكثر من المسجد الأقصى، وهو الهدف المركزي لهذه الجماعات التي أعدت عدّتها لذلك اليوم، بتأهيل العشرات من رجال الدين والحاخامات لإدارة الهيكل حال بنائه.
اقرأ أيضاً:عائلة شماسنة المقدسية في مواجهة التهويد
الاحتلال يواصل أسرلة التعليم في القدس