15 سبتمبر 2019
طويس على تخوم طرابلس
محمد الشبراوي (مصر)
في الأول من سبتمبر/ أيلول 1969، كان ابن السادسة والعشرين ربيعًا، خليفة حفتر، في الجيش الليبي، يهلل لثورة الفاتح تحت راية معمر القذافي، وأطيح الملك محمد إدريس السنوسي، ليتربع القذافي على رأس الدولة، ومعها تاقت نفس حفتر إلى الصدارة.
بعد مرور 18 عامًا، أوكل القذافي إلى حفتر قيادة القوات الليبية في حربها على تشاد، ولم يحسن حفتر استثمار الفرصة؛ فهُزِم هزيمة نكراء، بل ووقع في الأسر ومعه ثلاثمئة من جنوده، تبرأ منه القذافي وأهمله من حساباته؛ فقرر حفتر الثأر لنفسه.
ومع مغيب شمس الثمانينيات، وبمباركة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، حاول حفتر الانقلاب على القذافي، وكان ريغان يصف القذافي بـ"الكلب المسعور في الشرق الأوسط"؛ فبدا لحفتر أن الأمور في متناول يده، لكنه أفاق على فشل محاولته، وجرّ أذيال الخيبة، قاصدًا ولاية فرجينيا الأميركية، وبها حصل على الجنسية والمنفى الاختياري، وبنى علاقات مع المخابرات الأميركية.
وبعد عشرين سنة قضاها في فرجينيا، حلت بالمنطقة رياح التغيير، وهبت نسائم الربيع العربي على ليبيا، وما إن قفز الليبيون فوق عقبة القذافي، عاد حفتر وقد انتعشت أحلامه وتجدّدت أمانيه، وقرّر ركوب الموجة واقتناص الفرصة، لكنه قوبل بفتور أجبره على العودة من حيث أتى، وارتأى أن يرعى أحفاده، وينزوي عن الساحة؛ ليغيِّر رأيه بعد ثلاث سنوات، ويظهر في بث حصري لقناة العربية (السعودية)، معلنًا تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت) والحكومة، ويرميها بالتخاذل والعجز عن محاربة الإرهاب.
بعدها بثلاثة أشهر، وبدعم مصري إماراتي، أطلق "عملية الكرامة" في بنغازي ضد جماعات مقرّبة من الإخوان المسلمين؛ فقدّم نفسه للمجتمع الدولي أنه العدو اللدود للجهاديين والإرهابيين، وحاز مباركة إقليمية. وفي سبتمبر/ أيلول 2016، أطلق حفتر عملية "البرق الخاطف"، وسيطر على منشآت النفط الرئيسة في منطقة الهلال النفطي.
لا يؤمن حفتر بالمفاوضات؛ فاللواء المتقاعد لا يريد أن يكون جزءًا من الحل، ولا يرضيه سوى أن يكون وحده الحل، ويسيل لعابه للسيطرة على العاصمة بالقوة، وهذا ما دفعه إلى الهجوم عليها في توقيت قاتل؛ فأطلق حفتر عملية "تحرير طرابلس" في 4 إبريل/ نيسان، وذلك قبل أيام من مؤتمر الملتقى الوطني الجامع في مدينة غدامس، وتزامنًا مع وصول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، للتحضير للمؤتمر.
دخل مدينة غريان من دون مقاومة، مرتكزًا على عنصر المفاجأة، لكنه تقهقر عنها في أقل من 24 ساعة لصالح قوات مدينة الزاوية، وخسر في غمضة عين أربعين آلية عسكرية ومعها 130 عنصرا من مقاتليه. وسيطر على مطار طرابلس، ثم خسره بعد محاولات فاشلة للإبقاء عليه تحت نفوذه. مع نهاية الأسبوع الأول، توقف تقدم قوات حفتر الميداني على جميع المحاور، وتبين أن الحسابات التي أجراها حفتر كانت مفرطة في التفاؤل، وقد توهّم تحقيق حسم ميداني سريع، وراهن على اندلاع هبَّة شعبية واسعة تربك حسابات حكومة الوفاق، ولم تُبنَ حساباته على أسس موضوعية للهجوم.
شهد الأسبوع الثاني دخول الطائرات ميدان الصراع، واستخدم حفتر صواريخ غراد، وحصل على دعم إقليمي واضح، كما تلقى حفتر اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك في خلاف صريح لتوجه الإدارة الأميركية، وخلع عليه ترامب لقب المشير، وأشاد بجهوده في محاربة الإرهاب!
وإلى الآن، لم يحقق حفتر تقدمًا ملموسًا على الأرض، ولم يستفد من الترويج الإعلامي له على قنوات أبوظبي والرياض، ولم يتمكن من إحداث اختراق وسط العاصمة، وتجرّ عليه أطماعه متاعب لا تحصى. وكانوا قديمًا يضربون بطويس المثل في النحس وقلة الحظ؛ فقالوا: أشأم من طويس! فهل يكون حفتر النسخة الجديدة من طويس؟ أم ينجح بعد 50 عامًا على ثورة الفاتح في الجلوس مكان القذافي؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والليالي.
بعد مرور 18 عامًا، أوكل القذافي إلى حفتر قيادة القوات الليبية في حربها على تشاد، ولم يحسن حفتر استثمار الفرصة؛ فهُزِم هزيمة نكراء، بل ووقع في الأسر ومعه ثلاثمئة من جنوده، تبرأ منه القذافي وأهمله من حساباته؛ فقرر حفتر الثأر لنفسه.
ومع مغيب شمس الثمانينيات، وبمباركة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، حاول حفتر الانقلاب على القذافي، وكان ريغان يصف القذافي بـ"الكلب المسعور في الشرق الأوسط"؛ فبدا لحفتر أن الأمور في متناول يده، لكنه أفاق على فشل محاولته، وجرّ أذيال الخيبة، قاصدًا ولاية فرجينيا الأميركية، وبها حصل على الجنسية والمنفى الاختياري، وبنى علاقات مع المخابرات الأميركية.
وبعد عشرين سنة قضاها في فرجينيا، حلت بالمنطقة رياح التغيير، وهبت نسائم الربيع العربي على ليبيا، وما إن قفز الليبيون فوق عقبة القذافي، عاد حفتر وقد انتعشت أحلامه وتجدّدت أمانيه، وقرّر ركوب الموجة واقتناص الفرصة، لكنه قوبل بفتور أجبره على العودة من حيث أتى، وارتأى أن يرعى أحفاده، وينزوي عن الساحة؛ ليغيِّر رأيه بعد ثلاث سنوات، ويظهر في بث حصري لقناة العربية (السعودية)، معلنًا تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت) والحكومة، ويرميها بالتخاذل والعجز عن محاربة الإرهاب.
بعدها بثلاثة أشهر، وبدعم مصري إماراتي، أطلق "عملية الكرامة" في بنغازي ضد جماعات مقرّبة من الإخوان المسلمين؛ فقدّم نفسه للمجتمع الدولي أنه العدو اللدود للجهاديين والإرهابيين، وحاز مباركة إقليمية. وفي سبتمبر/ أيلول 2016، أطلق حفتر عملية "البرق الخاطف"، وسيطر على منشآت النفط الرئيسة في منطقة الهلال النفطي.
لا يؤمن حفتر بالمفاوضات؛ فاللواء المتقاعد لا يريد أن يكون جزءًا من الحل، ولا يرضيه سوى أن يكون وحده الحل، ويسيل لعابه للسيطرة على العاصمة بالقوة، وهذا ما دفعه إلى الهجوم عليها في توقيت قاتل؛ فأطلق حفتر عملية "تحرير طرابلس" في 4 إبريل/ نيسان، وذلك قبل أيام من مؤتمر الملتقى الوطني الجامع في مدينة غدامس، وتزامنًا مع وصول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، للتحضير للمؤتمر.
دخل مدينة غريان من دون مقاومة، مرتكزًا على عنصر المفاجأة، لكنه تقهقر عنها في أقل من 24 ساعة لصالح قوات مدينة الزاوية، وخسر في غمضة عين أربعين آلية عسكرية ومعها 130 عنصرا من مقاتليه. وسيطر على مطار طرابلس، ثم خسره بعد محاولات فاشلة للإبقاء عليه تحت نفوذه. مع نهاية الأسبوع الأول، توقف تقدم قوات حفتر الميداني على جميع المحاور، وتبين أن الحسابات التي أجراها حفتر كانت مفرطة في التفاؤل، وقد توهّم تحقيق حسم ميداني سريع، وراهن على اندلاع هبَّة شعبية واسعة تربك حسابات حكومة الوفاق، ولم تُبنَ حساباته على أسس موضوعية للهجوم.
شهد الأسبوع الثاني دخول الطائرات ميدان الصراع، واستخدم حفتر صواريخ غراد، وحصل على دعم إقليمي واضح، كما تلقى حفتر اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك في خلاف صريح لتوجه الإدارة الأميركية، وخلع عليه ترامب لقب المشير، وأشاد بجهوده في محاربة الإرهاب!
وإلى الآن، لم يحقق حفتر تقدمًا ملموسًا على الأرض، ولم يستفد من الترويج الإعلامي له على قنوات أبوظبي والرياض، ولم يتمكن من إحداث اختراق وسط العاصمة، وتجرّ عليه أطماعه متاعب لا تحصى. وكانوا قديمًا يضربون بطويس المثل في النحس وقلة الحظ؛ فقالوا: أشأم من طويس! فهل يكون حفتر النسخة الجديدة من طويس؟ أم ينجح بعد 50 عامًا على ثورة الفاتح في الجلوس مكان القذافي؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والليالي.