طليطلة.. توأم دمشق ودرّة نهر التاج

06 يونيو 2015
نهر العاج يحتضن طليطلة (Getty)
+ الخط -
تستقبلك من دون جواز سفر، تتعرف إلى ملامحك بسرعة، فهي تألف هذه الملامح العربية كما تألف لغتك، وهي لن تنفر إن ناديتها "طليطلة" بدل توليدو، فالاسمان ملكها، منقوشان في حجارتها وفضتّها وأقمشة الدامسكينو التي تركها الشوام ذات زمان.
عندما تدخلها تشعر بالود والألفة، وحين تعبر بوابة القنطرة أو puerta de la Kantara، والتي لم تزل محافظة على اسمها العربي كي تستقبلك به، تقودك بحاراتها، التي تجعل حارات باب توما في دمشق تنهض بداخلك من جديد، إذ تتقارب البيوت في الشوارع الضيقة والطويلة، وحيث تسير فيها يهديك ورد الشرفات الخشبية لونه ورائحته.

مدينة الملوك

أخذت توليدو اسمها من "تولودورث"، وتعني بالرومانية مدينة الملوك أو المدينة المحصّنة، وقد سمّيت كذلك نسبة إلى الملوك القوط، ويعتقد أنها تعود إلى العصر الإغريقي، وقد تناوبت عليها عدّة حضارات، ولعلّ من أهمها الحضارة الإسلامية، التي تلمحها في كلّ زوايا المدينة الساحرة. فمذ تصل محطّتها تقابلك الزخارف الشرقية والتصميمات الإسلامية. وحين تسير في شوارعها، تطلّ من متاجرها الكثيرة التحف الشرقية، والمصابيح الشامية، التي تحوّل الضوء إلى ألوان لا تُنسى.

إقرأ أيضاً: الفلامنكو: رقص من أب وأم عربيين


كما يباغتك متجرٌ مكتوب عليه، بالعربية والإسبانية، "محلات الدامسكينو"، نسبة إلى "دمشق"، وتطلّ الفضّة المطليّة والموشّاة بخيوط الذهب وتسألك عن دمشق، عن مصدر اسمها، وعن روحها فيه. وراء هذا المتجر نعثر على مشغلٍ لم يزل الدامسكينو يُصنع فيه يدوياً، كأنه يصنع في أحدى حارات دمشق القديمة.
في الجوار تجد متاجر بيع السيوف والسكاكين المصنوعة يدوياً أيضاً. ويتردّد بين الأزقة صدى يخرج من ذاكرتك لقصيدة لأحمد شوقي تقول: "لولا دمشق لما كانت طليطلة... ولما زهت ببني العباس بغدان".

هضبة التسامح

تقع توليدو على بعد 77 كيلومتراً من مدريد، وهي عاصمة منطقة كاستيا لامامنشا. تتربع على هضبة تحيط بها عدة أودية عميقة، ويحيطها نهر التاج.
ولعل أكثر ما تشتهر به توليدو، بالإضافة إلى أنها كانت إحدى عواصم الإمبراطورية الإسبانية، هو التعايش بين الحضارات الإسلامية والمسيحية واليهودية التي كانت تعيش فيها معاً. وهذا ما جعلها تسمّى في القرون الوسطى بمدينة التسامح. إذ إن آثار الحضارات الثلاث لم تزل قائمة بجلاء فيها حتى اليوم، حيث تجد فيها مسجد المردوم، وهو مسجد عريق يعود بناؤه إلى عام تسعمائة وتسع وتسعين، ويمتاز بجمال زخارفه وتنوّعها، كما تجد فيها المعلم الأهمّ، وهو كاتدرائية توليدو الضخمة المدهشة، ذات الواجهات الكثيرة والزخارف الرائعة المتقنة، والتي تستطيع من سطحها أن تحظى بمنظر لا ينسى للمدينة، كما تضم هذه الكاتدرائية مكتبة هي من أكبر المكاتب في إسبانيا والعالم، إذ تضمّ ملايين المخطوطات من القرن الحادي عشر والثاني عشر، وقد اشتهرت بأهمية تاريخية للمجامع الكنسية التي حصلت فيها.
وفي توليدو، تجد أيضاً معبداً يهودياً لم يزل يحتفظ بشكله وزوّاره وطقوس العبادة كاملة، وفيه لوحة أصلية كبيرة لـ "غريكو"، الرسام المشهور، الذي حوّل بيته في المدينة أيضاً إلى متحف يعجّ بأعماله الفنية، يقصده السائحون من كلّ بقاع الأرض.
افتتحت توليدو من قبل طارق بن زياد، بعد انتصاره في معركة "وادي لكة"، عام 712، كما أنها صارت مدينة هامّة ومنظّمة في عهد عبد الرحمن الناصر. وقد حكمها أيضاً بنو ذي النون، وبنو يعيش، لكنّها سقطت تماماً في عام 1085 بيد ألفونسو السادس، ملك قشتالة، وحوّلها إلى عاصمته، وحوّل مسجدها إلى كنيسة.
لا يمكن أن ترجع من طليطلة من دون روحها التي تبقى عالقة بك، ومن دون صوت التاريخ يملأ أذنيك، ومن دون ذلك الزخرف الشرقي الذي يسكن عينيك...
دلالات
المساهمون