طقوس منير بشير

28 سبتمبر 2016
(1930 - 1997)
+ الخط -

من الملاحظ أن آلة العود تنتشر بشكل كبيرٍ وسريع في العالم، تصحب هذا الانتشار محاولات "تجديد" من قبل العازفين. لا يبدو هذا التجديد، غالبًا، مبنيًا على أسس واضحة، وإنما يعتمد على جذب المستمعين غير العرب، الذين لم يعتادوا النغمات الشرقية.

يمكننا النظر إلى العديد من التجارب المعروفة اليوم، وبالإمعان في التفاصيل الموسيقية والتقنية بالعزف، نجد أن العديد من التجارب هي مجرّد محاولات لا أكثر.

في هذا السياق، نتساءل عن تجربة الموسيقي العراقي الراحل منير بشير (1930 –  1997). لماذا استطاع صاحب "أم الخلخال" أن يتفرّد كعازفٍ ومؤلّف على هذه الآلة أكثر من سواه؟

تمكّن بشير، الذي تمرّ اليوم على رحيله 19 عامًا، من إيصال العود إلى العالم. يعود هذا إلى قدرته العالية والدقيقة على التعبير عن الفكرة الموسيقية. المختلف في تجربته كان برؤيته لما يمكن أن تقدّمه الآلة وإمكانياتها من دون التنازل عن النكهة والصوت النقي والتعبير الدقيق عن الشعور للمؤلف والمؤدي والمستمع.

رغم أن كثيرين يزعمون أنّهم طلّاب له، وينتمون إلى مدرسته، إلّا أن قلّة التي فهمت درسه؛ هو المجدّد المحافظ في الوقت نفسه، الذي استطاع تكريس عدّة أنماط وأنواع موسيقيّة تنتمي إلى بلاد عدّة من أجل بناء هويته.

بالاستماع إلى من درسوا على يد صاحب "مشوار مع العود"، نلاحظ أن عديدًا منهم يقول إن بشير كان بخيلًا بإعطاء أسرار الآلة وإمكانياتها بالتعبير. لم يكن هذا بُخلًا بقدر ما كان تحفّظًا؛ إذ كان بشير قادرًا على وضع حدود لما يعطيه لتلاميذه بما يناسب إمكانياتهم الإنسانية والوجدانية والموسيقية. لعلّ أبرز مثال على ذلك، ابنه عُمر، الذي لا يمكن مقارنة تجربته بتجربة والده.

كان بشير يهتم بالطقوس، وكان يدرس جيدًا الأماكن التي يتوقع أن يعزف فيها. حين كان يطلب من الجمهور ألّا يصفّق، لم يكن ذلك بهدف إعطاء انطباع معيّن، بل هو ضروري؛ لأن الموسيقي يرى أن بعض التفاصيل لن تصل إلى المستمع إذا كان منشغلًا بنهايات القطع، ولأنه يهتم بالتعبير من خلال التنويع بين نعومة وخشونة العزف؛ ما يتطلب من الجمهور سلوكًا محدّدًا.

نشير، أخيرًا، إلى نقطة مهمّة تتعلّق ببشير، هي قدرته على التقسيم التي تتمثّل بوعيه العميق في المقامات وبنائها، فهو من الموسيقيين الذين ابتكروا مقامات جديدة بحكم خبرته بالمقام الشرقي. استخدم منير بشير المنطق في بناء التقاسيم، من دون أن يلجأ لما هو مألوف ومتعارف عليه في سَيْر العمل. وهذا ما ساعده على التواصل مع مختلف الثقافات، وإتقانه لعدّة أنماط موسيقية.



* موسيقي من فلسطين

المساهمون