حينما يثير أبنائي غضبي أجدني أتفوه بعبارات والديّ الموروثة، والتي هي ذاتها كنت أتذمر منها، وأتعجب كيف يطاوعهما قلباهما لترديدها في وجهي!، كنت ألتزم الصمت وأركن إلى غرفتي أبكي لأنني هنت عليهما لدرجة أن يقسوا عليّ لهذه الدرجة.
يبدو أن خيالي الخصب سوّل لي بأني لم ولن أكرر ما كنت أؤذى به لأولادي، ولكن هيهات فتصرفات أبنائي كانت تدفعني في كل مرة أن أتفوه بما كنت أرفضه من والديّ، كنت أحنث بعهدي لنفسي في كل مرة مرغمة لضغوط الحياة وتلك الوتيرة السريعة لحياتنا اليومية. أتذكر أن تلك الكلمات كانت مهينة، جارحة، قاسية، تقلل ثقتي بنفسي، تدفعني للعزلة أحياناً كثيرة.
كلما راجعت نفسي وتذكرت ندبات ماضيّ أظن أن ما أصابني وقتها سيصيب أبنائي فأهم بسرعة أعتذر لهم عن خطئي وأوضح وجهة نظري بعبارات أهدى من سابقتها. ولكن الحقيقة أن وتيرة أبنائنا كانت أسرع وأوقع منّا حينما كنا في سنهم مما يصيبني بالحيرة وربما بالصدمة من ردود أفعالهم بل والصدمة مما يزلزلون به كياننا من تصرفات وردود أفعال.
أذكر أن أحد أبنائي أصر أن يلعب باللوح المدولب "wave" في الممر الطويل الرابط بين غرف سكننا، فنبهته أن البيت غير مناسب للعلب، وأيضاً لخطورة أن ينزلق على الأرض الملساء فيصاب بكسر أو ما شابه، كنت أظن أنني بهذه الكلمات قد نبهته وحذرته بما يكفي تاركة له حرية الاختيار مع تحمل النتائج، لكنني فوجئت بأنه استمر باللعب ثم اكتشف أن سرعته باللوح لم تكن كما ينبغي فقام برفع السجاد الذي كان يغطي الممر الطويل ليزيد من سرعته واندفاعه. فثار غضبي مرة ثانية قائلة له: لا تزيد من ضغوطي، فلدي ما يكفيني من ضغوط ومشاكل. وبكل أريحية وهدوء وقف أمامي ذاك الصغير ساخراً ومستنكراً ثم قال: وهل حياتك ستفسد أو تنتهي إن زادت عليها مشكلة؟ أين إصرارك على تخطيها الذي تحثيننا دائماً عليه لتجاوز الأزمات؟
اقــرأ أيضاً
يا الله ماذا فعلت بحياتي لأتلقن دروساً من ذاك البرعم الصغير؟ وكيف فاتتني تلك المعلومة القيمة؟ وكيف لخص تلك التجربة الثرية في جمل صغيرة مؤثرة، كيف لهذا الفسيل أن يقف أمامي بتلك القوة وهذا الثبات الانفعالي ليذكرني بنصائحي له. سكّنت صمتي ثواني لأنتبه أن طفلي ما زال واقفاً أمامي منتظراً ردي عليه.
فقلت له: عندك حق، لن يزيد لعبك مشكلة على مشاكلي وضغوطي، لكن قلقي عليك أن تصاب بكسر يحرمك من ممارسة تمارينك الأسبوعية في النادي مما سيؤثر على نفسيتك وهذا بالتأكيد سيؤثر عليّ سلباً وسيزيد من قلقي على صحتك ونفسيتك بخلاف تعطلنا عن تحصيلك الدراسي وتعطلنا في عيادة الطبيب لمتابعة حالتك. ثم سكت.
تفهم طفلي موقفي وأدرك أبعاد كلامي وأن حبي وخوفي عليه دفعني للتفوه بتلك الكلمات دون قصد فاعتذر متفهماً وأوقف اللعب باللوح، وتفهمت (أنا) درساً عميقاً من طفلي وهو:
• أن لا ألقي لأبنائي بتعليمات مبهمة وأتوقع منهم أن ينفذوها بحذافيرها كما أمرت.
• إن تفسير وتوضيح الطلب أو الأمر لا يقلل من قيمتي بل يزيد من تفهم الطفل لموقف والديه بل ويزيد ثقته بنفسه لأننا تحاورنا معه كشخص مسؤول وليس كطفل مرغم على اتباع التعليمات وفقط.
• ليس بالضرورة أن ما مررنا به وتعثرنا فيه بطفولتنا سيعيق أبناءنا كما فعلنا نحن، ليس بسبب الفروق الفردية فقط بل لتوافر عدة متغيرات تربوية، شخصية، زمنية...إلخ، ثؤثر بهم وتصقلهم وتربيهم.
• إن حبس خيال أطفالنا والحد من حركتهم بسبب خوفنا عليهم يعطلهم ويعرقل نضجهم النفسي والتربوي.
اقــرأ أيضاً
يبدو أن خيالي الخصب سوّل لي بأني لم ولن أكرر ما كنت أؤذى به لأولادي، ولكن هيهات فتصرفات أبنائي كانت تدفعني في كل مرة أن أتفوه بما كنت أرفضه من والديّ، كنت أحنث بعهدي لنفسي في كل مرة مرغمة لضغوط الحياة وتلك الوتيرة السريعة لحياتنا اليومية. أتذكر أن تلك الكلمات كانت مهينة، جارحة، قاسية، تقلل ثقتي بنفسي، تدفعني للعزلة أحياناً كثيرة.
كلما راجعت نفسي وتذكرت ندبات ماضيّ أظن أن ما أصابني وقتها سيصيب أبنائي فأهم بسرعة أعتذر لهم عن خطئي وأوضح وجهة نظري بعبارات أهدى من سابقتها. ولكن الحقيقة أن وتيرة أبنائنا كانت أسرع وأوقع منّا حينما كنا في سنهم مما يصيبني بالحيرة وربما بالصدمة من ردود أفعالهم بل والصدمة مما يزلزلون به كياننا من تصرفات وردود أفعال.
أذكر أن أحد أبنائي أصر أن يلعب باللوح المدولب "wave" في الممر الطويل الرابط بين غرف سكننا، فنبهته أن البيت غير مناسب للعلب، وأيضاً لخطورة أن ينزلق على الأرض الملساء فيصاب بكسر أو ما شابه، كنت أظن أنني بهذه الكلمات قد نبهته وحذرته بما يكفي تاركة له حرية الاختيار مع تحمل النتائج، لكنني فوجئت بأنه استمر باللعب ثم اكتشف أن سرعته باللوح لم تكن كما ينبغي فقام برفع السجاد الذي كان يغطي الممر الطويل ليزيد من سرعته واندفاعه. فثار غضبي مرة ثانية قائلة له: لا تزيد من ضغوطي، فلدي ما يكفيني من ضغوط ومشاكل. وبكل أريحية وهدوء وقف أمامي ذاك الصغير ساخراً ومستنكراً ثم قال: وهل حياتك ستفسد أو تنتهي إن زادت عليها مشكلة؟ أين إصرارك على تخطيها الذي تحثيننا دائماً عليه لتجاوز الأزمات؟
يا الله ماذا فعلت بحياتي لأتلقن دروساً من ذاك البرعم الصغير؟ وكيف فاتتني تلك المعلومة القيمة؟ وكيف لخص تلك التجربة الثرية في جمل صغيرة مؤثرة، كيف لهذا الفسيل أن يقف أمامي بتلك القوة وهذا الثبات الانفعالي ليذكرني بنصائحي له. سكّنت صمتي ثواني لأنتبه أن طفلي ما زال واقفاً أمامي منتظراً ردي عليه.
فقلت له: عندك حق، لن يزيد لعبك مشكلة على مشاكلي وضغوطي، لكن قلقي عليك أن تصاب بكسر يحرمك من ممارسة تمارينك الأسبوعية في النادي مما سيؤثر على نفسيتك وهذا بالتأكيد سيؤثر عليّ سلباً وسيزيد من قلقي على صحتك ونفسيتك بخلاف تعطلنا عن تحصيلك الدراسي وتعطلنا في عيادة الطبيب لمتابعة حالتك. ثم سكت.
تفهم طفلي موقفي وأدرك أبعاد كلامي وأن حبي وخوفي عليه دفعني للتفوه بتلك الكلمات دون قصد فاعتذر متفهماً وأوقف اللعب باللوح، وتفهمت (أنا) درساً عميقاً من طفلي وهو:
• أن لا ألقي لأبنائي بتعليمات مبهمة وأتوقع منهم أن ينفذوها بحذافيرها كما أمرت.
• إن تفسير وتوضيح الطلب أو الأمر لا يقلل من قيمتي بل يزيد من تفهم الطفل لموقف والديه بل ويزيد ثقته بنفسه لأننا تحاورنا معه كشخص مسؤول وليس كطفل مرغم على اتباع التعليمات وفقط.
• ليس بالضرورة أن ما مررنا به وتعثرنا فيه بطفولتنا سيعيق أبناءنا كما فعلنا نحن، ليس بسبب الفروق الفردية فقط بل لتوافر عدة متغيرات تربوية، شخصية، زمنية...إلخ، ثؤثر بهم وتصقلهم وتربيهم.
• إن حبس خيال أطفالنا والحد من حركتهم بسبب خوفنا عليهم يعطلهم ويعرقل نضجهم النفسي والتربوي.