طبيعة صامتة

23 ديسمبر 2014
+ الخط -
ثمّة جانب مُضيء في تجربة الشاعرة المغربيّة رجاء الطالبي، يكمنُ في عنايتها بالمشهديّة، على أنّ الصور الشِعريّة -بالمفهوم التقليدي- تكاد تختفي، لتحل مكانها شِعريّة المشهد، بامتداداتها وتداخلها مع مجالات أخرى، فنيّة وإبداعيّة. وتحديدًا عنايتها بمشاهد الطبيعة الصامتة والاتكاء عليها، ما تذخر بها قصائد مجموعتها الجديدة "مكان ما في اللانهائي"، (دار فضاءات- الأردن)؛ الصمت لا بوصفهِ سكوناً بل كحالةٍ من الإدهاش، الصادم والمُؤثّر.

أي أنّ مكمن شِعريّتها، يكون، حيثما يتم تحويل الصورة أو الحيّز المُلتقط إلى كتابة، أي تدويرها إلى شِعر. وذلك عبر تلخيص الرقعة الملتقطة أو الجزء المُراد تدوينه وتكثيفه، وبأقلّ قدر من المفردات الموحية والمُعبّرة، "ما ننصت إليه يفتقر للكلمات،/ يحدّق بأعين مطفأة،/ بينما متوغّلين في الإنصات،/ تصفر ريح في البعيد./ خلف الزجاج تهدر الشجرة،/ لأنّ أيدي الشتاء تهزّ الاستسلام/ الذي طويلاً سكنها./ الآنَ فقط يندلع العناق".

عنصر المفاجأة في المقطع السابق، نجدهُ في معظم قصائد المجموعةِ، وما يزيدها إثارةً أنها تنتمي إلى النمط القصير جدّاً أو الوامض. والمشاهد، هنا، ليستْ تصويريّة بحتة فحسب، بقدر ما فيها من الغرابة، إذْ تجمع ما بين المألوف (الحميم) وغير المألوف (النافر) في خلطٍ إشكاليّ ومثير، ما يُعيدُنا إلى مقولة هيدغر: "الألفة هي الأساس الذي تستقي منه الغرابة ماهيّتها وتساق، بالتالي، إلى معناها".

ولعلّ حميميّة العلاقة بين المفردات القليلة والجُمل الأقلّ - داخل رقعة القصيدة الواحدة- يزيد من ديناميكيّتها، ما يجعلها تدنو من روح الشذرة الفلسفيّة، الذاخرة بالتأمّلات الوجوديّة العميقة والحكمة. ومحاولة اقتناصها لجماليّات الأشياء، وذلك من خلال البحث في جوهر الشيء وماهيّته، "بدون جسد/ ندخل في الصور،/ نبقى في نار اللحظة التي تحترق،/ فيما الليل يتقدّم/ كتحيّة خرساء/ لشيء معتم".

كما نلفي العناية بالقصيدة كنص ووحدة عضويّة قائمة بذاتها، إذْ ما من عناوين لها، بل مجرّد أرقام تصدّرت القصائد. ما يجعلها متروكة لمزيد من الاحتمالات والتأويلات، ويجعل القارئ في مهمّة أخرى/ إضافيّة، شاقّة وشيّقة في الآن معاً، هو البحث عن عنوان للقصيدة بعد الانتهاء من قراءتها.

المجموعةُ، بتداخل السردي -إلى جانب الفنّي البصريّ- في تركيبة شِعريّتها، تؤسّس لبناء عوالم جديدة ومُبتكرة، بإقامة علاقة جدليّة ومُتشابكة مع كل ما هو خام ومؤهّل للتوحّد والدخول في بنية قصائدها.


المساهمون