تسابق الولايات المتحدة الزمن من أجل تهيئة المسرح الإقليمي والدولي للمفاوضات المرتقبة بين المعارضة السورية والنظام في مدينة جنيف السويسرية خلال الأيام القليلة المقبلة، مواصلة ضغوطها على المعارضة السورية لإدخال أسماء قريبة من النظام إلى وفد المعارضة التفاوضي، بما يتوافق مع الرؤية الروسية. وهو ما تجلى خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الرياض أمس السبت، بعدما كان قد عقد محادثات هاتفية جديدة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف وسط تمسك موسكو بمحاولة فرض إملاءاتها، بعدما قدّمت وزارة الخارجية الروسية قائمة تضم 15 اسماً تسعى لإدخالها في الوفد التفاوضي، بينها رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي صالح مسلم، ورئيس "الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير" قدري جميل، والرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطي" هيثم مناع.
وفيما كان كيري من الرياض يعرب عن ثقته بإمكان بدء المفاوضات السورية قريباً، كان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يؤكد من إسطنبول الجهوزية للقيام بعمل عسكري في سورية، إذا لم يتم التوصل لحل سياسي، قبل أن يسارع البيت الأبيض لتوضيح أن المقصود بذلك "داعش" حصراً.
واستبق كيري زيارته إلى الرياض باتصال هاتفي مع لافروف، أفادت وزارة الخارجية الروسية بأن الوزيرين أكدا خلاله دعمهما انعقاد المفاوضات في جنيف "الأسبوع المقبل". ولفتت الوزارة، في بيان، إلى أنه "تم التركيز بشكل خاص على ضرورة أن يكون الوفد السوري ممثِلاً بشكل فعلي للمعارضة".
وفي الرياض، أكد كيري، في مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي عادل الجبير، بعد محادثات أجراها مع ممثلين لمجلس التعاون الخليجي، "أننا واثقون أنه بتوافر مبادرة طيبة خلال يوم أو نحو ذلك، فسيمكن بدء المحادثات السورية، وأن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا سيجتمع مع الناس على النحو الملائم لإجراء محادثات التقارب التي ستعقد أولى جلساتها في جنيف لترسي الأسس لبدء مساعٍ جادة لتنفيذ بيان جنيف". ولفت إلى أنه "أوضحنا الخطوات الأولى بشأن المفاوضات السورية، واجتماع جنيف سيفضي إلى مرحلة انتقالية"، مضيفاً: "سنقارب مفاوضات جنيف السورية بجدية وبأمل، التسوية السياسية في سورية صعبة". وكشف كيري أن "هناك سبيلاً كبيراً يسمح بدعوة الكثير من الأطراف ذات العلاقة إلى جنيف".
من جهته، أكد الجبير "أننا نتعاون مع واشنطن لإنهاء دور بشار الأسد وإنهاء الانقلاب في اليمن". وأضاف: "العمل الذي نقوم به يهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يتطلب وقف الأعمال الإيرانية العدوانية".
في مقابل ذلك، كان بايدن يعلن بعد لقاء مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في إسطنبول، أن "كلاً من أنقرة وواشنطن جاهزتان للقيام بحل عسكري في سورية، إن لم تعد الحلول السياسية ممكنة"، قائلاً: "سيكون من الأفضل إن استطعنا الوصول إلى حل سياسي، ولكننا جاهزون إن لم يكن ذلك ممكناً للقيام بعمل عسكري والقضاء على داعش". وأشار بايدن إلى أن واشنطن ستعمل على الاستمرار في تقديم الدعم للقوات المحلية في سورية، في حين لم يتأخر الروس في الرد على بايدن، إذ نقلت وكالة "انترفاكس" عن مصدر دبلوماسي روسي قوله إن تصريح نائب الرئيس الأميركي حول الاستعداد للحل العسكري في سورية "يحمل طابعاً هداماً". وقال المصدر: "من الغريب سماع هذا التصريح في الوقت الذي تبحث فيه كل الدول عن تسوية سياسية، ببساطة مثل هذه التهديدات تحمل طابعاً هداماً".
اقرأ أيضاً: تقارب أميركي - تركي وبايدن يلوح بحل عسكري بسورية
من جهته، شدد داود أوغلو على أن بلاده لن تقبل بأي تغيير في وفد المعارضة السورية، قائلاً: "يجب ألا يكون هناك أي غموض في ما يخص تمثيل المعارضة السورية، حيث إنه أمر مهم ألا يكون على الطاولة سوى المعارضة السورية الشرعية".
ويبدو أن الروس، وفق تسريبات، لديهم تحفّظ على رئيس وفد المعارضة العميد أسعد الزعبي، وعلى اختيار رئيس المكتب السياسي لـ"جيش الإسلام" محمد علوش كبير مفاوضي الوفد، في ظل تمسكهم بنغمة "الجماعات الإرهابية" في سورية.
في المقابل، لا تزال المعارضة السورية على موقفها برفض أن تكون الأسماء التي طرحها الروس ضمن وفدها التفاوضي. ويؤكد عضو الائتلاف الوطني السوري نصر الحريري، لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة العليا للمفوضات ترفض أي إملاءات من قبل الروس أو رسائل ضغط يحملها كيري من قبلهم بما يخص عملية التفاوض المرتقبة في جنيف، مضيفاً: "إذا أصروا على ذلك ربما يفجر العملية السياسية برمتها".
من جهته، يلفت الأمين العام للائتلاف، يحيى مكتبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى وجود ضغط كبير من الروس على الموفد الأممي دي ميستورا لقولبة الحل السياسي وفق الرؤية الروسية، مشيراً إلى أن "ذلك تجلى في الجانب الميداني من خلال رفع وتيرة الإجرام الروسي باستخدام الطيران الحربي ضد كتائب الجيش السوري الحر، والتنكيل بشعبنا في المناطق المحررة من خلال قصف الأسواق الشعبية والمدارس والمستشفيات ومستودعات المساعدات الإنسانية".
ويوضح مكتبي أن "الروس يسعون لإقحام أسماء ضمن وفد المعارضة يرون أنها مناسبة ومتسقة لتمرير ما تريده موسكو من إعادة تأهيل مجرم الحرب بشار الأسد"، مبدياً أسفه للدور السلبي الذي تقوم به روسيا في سورية، معتبراً إياها "قوة غزو"، وما تقوم به "عدواناً سافراً".
أما المحلل السياسي عماد غليون فيرى أن كيري لن يقوم بضغط صريح ومباشر على الهيئة العليا للمفاوضات يظهره كمؤيد للموقف الروسي، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "هو سينصح فقط بالقيام بإجراء بعض التعديلات التي ربما ترضي الروس الذين لن يتراجعوا قبل تحقيقها، خصوصاً في ما يتعلق بتشكيلة وفد المعارضة للمفاوضات". ويعتقد غليون "ألا شيء سيهدد المفاوضات لأن القوى العظمى تريد انعقادها، وليس لدى المعارضة السورية أي خيار آخر، أو خطة بديلة تلجأ إليها". ويعتبر غليون أن "المعارضة ستقبل بالتفاوض تحت أي شروط ستوضع لها، وهي في مرحلة رفع السقف حالياً، وتجربة حضور المعارضة لجنيف 2 تؤكد ذلك، إذ حضرت حينها على الرغم من أنها كانت أقوى من الآن وهددت بعدم الحضور"، على حد قوله.
وكانت قوى ثورية سورية، منها الائتلاف الوطني، قد حمّلت نظام الأسد والروس مسؤولية أي فشلٍ للعملية السياسية "بسبب استمرار جرائم الحرب في قتل المدنيين، وحصارهم، وتجويعهم وتدمير البنى التحتية، والمستشفيات والمدارس والمعابر الحدودية، ورفض تنفيذ القرارات الإنسانية لمجلس الأمن قبل بدء المفاوضات"، وفق ما جاء في بيان مشترك صدر أمس السبت عن هيئات وقوى وفصائل ثورية سورية. وأكدت رفضها رفضاً قاطعاً لـ"الإملاءات الروسية وتدخّلها في العملية السياسية والتفاوضية من خلال العدوان العسكري، والابتزاز السياسي والتدخّل السافر في شأن المعارضة السورية". كما أعلنت هذه القوى "دعمها للعملية السياسية ضمن ثوابت الثورة"، مشددة على "وجوب التنفيذ الكامل للبندين 12 و13 في القرار 2254 لعام 2015 المتعلقين بالشأن الإنساني".
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تحمل النظام وروسيا مسؤولية فشل "العملية السياسية"