وبحسب المسؤول نفسه، الذي تحدث مع "العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن اسمه، فإنّ زيارة روحاني للعراق تأتي للتوقيع على ما تم التفاهم عليه من اتفاقيات سابقة بين الجانبين، لافتاً إلى أنّه "أبلغ العراقيين بشكل واضح أن وجود الأميركيين في العراق خطر على أمن إيران وعليهم الاستعجال في إنهاء هذا الخطر". وأكد أنّ "روحاني أوصل كذلك رسائل لمسؤولي إقليم كردستان العراق في هذا الإطار، واعتبر تواجد الأميركيين في الإقليم يشكّل خطورة على بلاده، أكثر من تواجدهم في مناطق العراق الأخرى كالأنبار وبغداد ونينوى".
ووفقاً للمسؤول نفسه، الذي شارك الرئيس العراقي، برهم صالح، في مراسم استقبال روحاني، فإنّ باقي الملفات التي يبحثها روحاني خلال زياته "تعتبر ثانوية أمام ملف الوجود الأميركي"، مؤكداً أنّ قلق الإيرانيين من هذا الموضوع "واضح، وبدا أنهم غير مقتنعين بفاعلية الزعامات السياسية العراقية في ملف الضغط لإخراج الجيش الأميركي من العراق".
وقد انعكس جزء من القلق الإيراني في تصريحات روحاني أمس، إذ قال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي إنّ "علاقاتنا مع العراق ليست جديدة، بل تعود إلى آلاف السنين، وهي دينية وثقافية وتاريخية وإقليمية"، مؤكداً "لن نستغني عن علاقاتنا مع العراق، بل نبذل الجهود لتطويرها، فعلاقاتنا لصالح الشعبين". وأشار روحاني إلى "وجود مجالات واسعة للتعاون المشترك بين العراق وإيران"، لافتاً إلى أنّ "المحادثات جيّدة ولا توجد نقاط خلاف بيننا، ونبذل الجهود لتأمين مصالحنا وتعزيز علاقاتنا مع العراق". وأوضح "ناقشنا ملفات التجارة، والاستثمارات، والمدن التجارية المشتركة، والمناطق الحدودية المشتركة، والزوار (المقامات الدينية الشيعية)، والطاقة والغاز، والبترول والمصارف، والطرق والسكك الحديدية والممرات المائية البيئة"، مضيفاً "كما ناقشنا القضايا السياسية الإقليمية والدولية". وتابع روحاني "كنّا بجانب العراق وجيشه خلال الأيام الصعبة التي مرّت عليه، ونريد أن نكون بجانبه اليوم لتوفير أرضية لنستقبل الآخرين ليكونوا معنا"، مضيفاً "الذي يهمنا هو أمن العراق والديمقراطية التي نراها فيه، وللعراق دور كبير في تأمين الاستقرار في المنطقة".
بدوره، قال الرئيس العراقي، برهم صالح، خلال المؤتمر "يجب أن ننتقل بالعلاقات بين العراق وإيران إلى فضاء أرحب"، واصفاً بلده بأنه "محظوظ بجيرانه". وأضاف أنّ "العراق يشكّل اليوم الملتقى بين دول المنطقة"، داعياً إلى "خلق منظومة متكاملة من المصالح المشتركة".
في موازاة ذلك، كانت تصريحات السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، أكثر وضوحاً في ما يتعلق بالهواجس الإيرانية، إذ قال إنّ الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغوطاً شديدة على الحكومة العراقية لمواكبة الحظر الإيراني والعقوبات المفروضة على بلاده، مشيراً إلى أنّ "المسؤولين العراقيين رفضوا هذه الضغوط". وأوضح مسجدي في تصريحات لوكالة أنباء "فارس" الإيرانية، أنّه "في مثل هذه الظروف تكتسب زيارة روحاني إلى العراق أهمية ومعنى ومفهوماً خاصا"، مضيفاً أنّ "العراق كان طوال عشرات الأعوام يشكّل أكبر تهديد أمني لإيران، لكنّه تحوّل اليوم إلى حليف استراتيجي وصديق يمكن الركون إليه، وتحولت الحدود بين البلدين إلى حدود صداقة وتعاون واستقرار".
كما حاول السفير الإيراني السابق في بغداد، حسن كاظمي قمي، وضع الزيارة في سياق "انتصار إيران وحلفائها"، بقوله في تصريحات لوكالة "إرنا" الإيرانية، إنّ أهمية زيارة روحاني "تكمن في أنها تأتي في أجواء نشهد تطورات كبيرة في المنطقة، بما فيها انتصار جبهة المقاومة في العراق وسورية ولبنان واليمن، بفضل دعم إيران"، معتبراً أنّ ذلك "أدى إلى فشل سياسات ومخططات أميركا في المنطقة من خلال استخدامها الجماعات التكفيرية والإرهابية مثل تنظيم داعش". وفي السياق، توقّع السفير الإيراني في دمشق، جواد ترك آبادي، في تصريحات صحافية، أن يقوم روحاني، قريباً بزيارة إلى سورية.
وفي إطار اليوم الثاني من زيارته إلى العراق، من المقرّر أن يلتقي روحاني اليوم الثلاثاء بعدد من القيادات السياسية العراقية، قبل أن ينتقل إلى مدينة النجف (160 كيلومتراً جنوبي العراق) للقاء عدد من المرجعيات الدينية من بينهم المرجع علي السيستاني، ويزور أضرحة دينية، وفقاً لما أكده مسؤولون في السفارة الإيرانية ببغداد تحدثوا لـ"العربي الجديد". وأوضح هؤلاء أنّ اليوم الثلاثاء سيشهد توقيع عدد كبير من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية، في حدث غير مسبوق بين البلدين.
وفي السياق نفسه، قال المسؤول العراقي الذي تحدّث مع "العربي الجديد" عن تفاصيل ما يناقَش خلف الأبواب المغلقة خلال زيارة الرئيس الإيراني، إنّ "روحاني والوفد المرافق له سيوقّعون على مذكرات تفاهم واتفاقيات عديدة يمكن القول إنها منجزة في وقت سابق، أبرزها إنشاء خط سكك الحديد الذي يربط بين العراق وإيران، وإنشاء منطقة حرة مشتركة ومصرف تجاري مشترك، وتشكيل لجان لحسم ملف حقول النفط المشتركة وإدارتها. ويضاف إلى ذلك تنظيم اتفاقية تبادل تجاري، وتجنّب الازدواج الضريبي، والاتفاق على افتتاح فروع لشركات إيرانية تجارية، ومنح تسهيلات لشركات إعمار وإنشاء بقطاع الإسكان والبنى التحتية بعضها تابع للحرس الثوري الإيراني، وفتح منافذ برية جديدة، والاتفاق على فتح قنصليات جديدة إيرانية عراقية في كلا البلدين في المستقبل القريب". كذلك سيتم بحسب المسؤول "توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تتعلق بتنظيم دخول الزوار الدينيين وإعفائهم من تأشيرات الدخول، وتسهيل عمل شركات النقل البرية والجوية والتبادل المعرفي بين الجامعات في كلا البلدين، وتنظيم الممرات الملاحية في الخليج العربي وشط العرب، وملف استيراد الغاز والكهرباء وتسديد الديون". وقد شكّل العراق بدوره 13 لجنة وزارية لعقد مباحثات جانبية مع الوفد الإيراني المرافق لروحاني، بحسب المصدر ذاته.
في غضون ذلك، رأى رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، همام حمودي، أنّ "توقيت زيارة روحاني للعراق مهم لإرساء استراتيجيات اقتصادية مشتركة، كونه يأتي بعد الانتصار على داعش، وما تخلله من موقف إيراني داعم بقوة في هذا الإطار". وأشار إلى أنّ "البرلمان والحكومة العراقيين أعلنا أنّ العراق ليس ضمن الحصار على إيران، لأن العقوبات قرار فردي وليس دوليا، وهذا هو أيضاً ما أكدته المرجعية العليا برفضها أن يكون العراق طريقاً لإيذاء أي دولة أخرى".
وحول الزيارة نفسها، قال الباحث في الشأن العراقي، لقاء مكي، إنّ "إيران قلقة جداً من التحرّك الأميركي الأخير في العراق، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب بأنّ قواته في العراق هي لمراقبة إيران وأنشطتها". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "طهران تعتقد ربما نتيجة لتحليلات أو معلومات، أنّ هذه التعزيزات الأميركية في العراق مقدمة لشيء أكبر يستهدف المصالح الإيرانية في العراق، ومنها المليشيات المرتبطة بطهران". وأضاف "يبدو أنّ هذه المعطيات ليست بعيدة عن الواقع، فحسب ما يمكن تحليله من السلوك الأميركي الأخير في العراق، ربما يكون الهدف هو تحجيم المصالح الإيرانية في المنطقة، ولا يعني ذلك شنّ حرب ضدّ إيران، لكن على الأقل توفير قدرات احتكاك ممكنة أو محتملة في المستقبل". وأوضح مكي أنّ إيران تعتبر العراق حالياً "خط الدفاع الأخير، ومن الممكن أن تضحي بسورية، لكن بالنسبة للعراق لا يمكن أن تتخلى عن نفوذها فيه"، معبراً عن اعتقاده، بأنّ "الضغط على الحكومة العراقية من أجل إصدار قانون لإخراج القوات الأميركية، هو خيار إيراني الآن".
وختم مكي بالقول "طبعاً لا ننسى أنّ هناك أطرافاً في الدولة العراقية عبّرت عن اهتمامها ببقاء القوات الأميركية، وأطرافا أخرى في الوسط السياسي أيّدت بقاء الأميركيين، وهذا كما يتّضح، أزعج إيران التي تريد الآن بناء تحالف سياسي واسع، لتضمن إيجاد تشريع برلماني ينصّ على إخراج القوات الأميركية".