19 أكتوبر 2019
ضرب داعش للحد من تدفق اللاجئين؟
مع تزايد تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، قررت فرنسا التدخل جواً ضد داعش في سورية، فقد بدأت طائراتها العسكرية بطلعات جوية استطلاعية، لتحديد مواقع التنظيم في التراب السوري، حتى تضع قيادة الأركان العسكرية الفرنسية خطة للأهداف التي يجب ضربها.
فرنسا التي كانت متحمسة، في وقت سابق، للتدخل ضد نظام الأسد، في إطار ائتلاف دولي مثيل للذي تدخل في ليبيا، قبل أن تتراجع عن موقفها بسبب التردد، بل الرفض، الأميركي، انضمت من دون تردد إلى الائتلاف الدولي المتدخل جواً ضد داعش في العراق، رافضة توسيع مهمات سلاحها الجوي العامل ضمن قوات الائتلاف إلى الأراضي السورية، بدعوى أن ذلك سيفيد نظام الأسد. وبقيت مصرة على رفضها ملاحقة التنظيم داخل التراب السوري. لكن، مع تدفق اللاجئين، غيرت موقفها، وقررت التدخل جواً ضد داعش في سورية. ومحاولة لتجاوز التناقض بين الموقفين، يقول الخطاب الرسمي إن هذا التدخل سيقوّض مخطط داعش لتجنيد جهاديين فرنسيين وأوروبيين عموماً.
واضح أن الموقف الفرنسي مبني على فرضيات خاطئة، على الأقل في بعض جوانبها. أهم هذه الفرضيات تلك التي تقيم علاقة سببية مباشرة بين داعش ووصول جحافل من اللاجئين السوريين إلى أوروبا وسعيهم دخول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بعض دوله مثل ألمانيا. هذه الفرضية صحيحة جزئيا فقط، لأن داعش ليست إلا أحد أسباب تدفق اللاجئين. فالمعارك الدائرة في سورية بين مختلف القوى المتناحرة، بين النظام ومعارضيه وبين داعش وبقية الفصائل، وأحياناً بين داعش والجيش النظامي، هي السبب في هروب السوريين من بلادهم. بمعنى أن الحرب هي سبب محنة اللاجئين، وكل محاولة لاختزالها في داعش مآلها الفشل.
من منظور الرأي العام الفرنسي، من الأحسن القول إن التدخل سيكون ضد داعش، وليس ضد
نظام الأسد، ليس لأن الرأي العام متعاطف مع الأخير. ولكن، لأن توظيف مكافحة الإرهاب في هذه المسألة عملية مربحة سياسياً، خصوصاً أن هناك إجماعاً سياسياً على ضرورة التصدي لداعش (مع استبعاد أي تدخل بري) التي ضربت فرنسا في عقر دارها في العمليات الفردية التي نفذها أفراد ينتمون، أو يدعون الانتماء، إلى هذا التنظيم. من هذا المنظور، يعد التدخل جواً ضد داعش في سورية عملية وقائية لحماية أمن فرنسا عن بعد، بالتقليل من قدرات التنظيم على إلحاق الضرر بفرنسا والدول الأوروبية.
بغض النظر عن حسابات فرنسا المعلنة وغير المعلنة، فإن ربط قضية اللاجئين بداعش دون سواها تجاوز على الواقع، بالنظر لتعدد الأطراف المتورطة في محنة هؤلاء. فمجرد الصراع المسلح بين أطراف متناحرة، بصرف النظر عن موقفها من المدنيين، يتسبب في نزوح هؤلاء. فالذين فقدوا كل شيء بسبب الحرب، ليس أمامهم إلا النجاة بأنفسهم إن استطاعوا. ثم إن التركيز على داعش دون سواها تبرير، بشكل أو بآخر، للنظام السوري. فعلى الرغم من تداخل العوامل والفواعل المحلية والإقليمية والدولية في الصراع السوري، فإن مهمة أمن السوريين تقع على عاتق النظام، بغض النظر عن شرعيته من عدمها.
أما الفرضية الأخرى، فهي الاعتقاد بأن التدخل الجوي ضد داعش سيحد من حركة اللاجئين. فحتى لو افترضنا نجاح هذه العملية الجوية، فإن مواصلة النزاع المسلح بين القوى المتصارعة الأخرى كفيل بضمان استمرار تدفق اللاجئين. ومن ثم، فإن العملية، في حال نجاحها، قد تقلل من عدد هؤلاء، لكنها لا تحد من تدفقهم. كما أن هناك عوامل تكاد تكون مستقلة، يبدو أن القراءة الفرنسية تغفلها، أو على الأقل لا تعيرها الأهمية المستحقة. أولها وجود شبكات تهريب قوية للمهاجرين واللاجئين، فمن يريد مغادرة سورية، وله المال اللازم، سيجد شبكات تهريب تخرجه من البلاد، وتوصله إلى شواطئ أوروبا (حياً أو ميتاً) بوجود داعش أو بدونه. والشيء نفسه يقال عن تجنيد أوروبيين للقتال في سورية. فللحد من هذه الظاهرة، يتعين ضرب شبكات التجنيد والتهريب من جهة، والتخلص من مسارح الجهاد من جهة ثانية.
صحيح أن داعش تستهدف فئات أكثر من أخرى. لكن، في نهاية المطاف، ظروف الحرب في البلاد هي نفسها بالنسبة للمدنيين. ثانيها، أن اللاجئين السوريين في دول الجوار، لاسيما الأردن ولبنان، يسعون أيضاً للمغادرة نحو أوروبا. وعليه، العملية في غاية من التعقيد، إذ من الصعوبة بمكان تحميل تنظيم داعش، مهما كانت بشاعة أعماله وشناعتها، المسؤولية عن كل ما يجري في سورية. فهذا التنظيم لم يكن السبب في الحرب الدائرة في البلاد، بل تغذى من أزمة تسبب فيها النظام السوري بالأساس، ودول إقليمية أساءت التقدير لما طبقت قاعدة قلقة للغاية "عدو عدوي صديقي".
فضلاً عن هذا كله، تسيطر داعش اليوم على مدن آهلة بالسكان. وبالتالي، فالضربات الجوية لا تنفع في هذه الحالة، بل غير ممكنة بالنظر للخسائر البشرية التي ستحدثها. وعليه، فإن الضربات الجوية قد تضر جزئياً بداعش، باستهداف مواقعها المعزولة والمنكشفة وقوافلها المتحركة، لكنها لن تُقلق وحداتها المنتشرة في المناطق العمرانية. وبما أن التدخل البري مستبعد تماماً من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا، فإن الضربات الجوية ما هي إلا محاولة لإدارة الصراع، ومحاولة لقلب موازين القوى في سورية، بإضعاف داعش. وهذا ما قد يدعم عملياً النظام، وربما تنظيمات جهادية أخرى. ربما المراهنة الاستراتيجية الفرنسية والغربية عموماً هي أن تستفيد القوى المعارضة للنظام وللتنظيمات الجهادية من هذه الحملة الجوية، لتستعيد المبادرة ميدانياً. وهي مراهنة غير واقعية في الظروف الحالية، خصوصاً مع الدعم الروسي للنظام السوري. فإذا كانت روسيا غير مستعدة لدعمه، بشكل يسمح له بسحق المعارضة المسلحة، فإنها غير مستعدة للتخلي عنه، على الأقل على المدى القريب. وهنا، تعود الأزمة في فرنسا، وفي غيرها من القوى الغربية، إلى معضلة مستعصية الحل (بعد أن استتب أمر التنظيمات الإرهابية في البلاد): كيف يمكن محاربة التنظيمات الإرهابية في سورية، من دون أن يستفيد النظام من ذلك؟
فرنسا التي كانت متحمسة، في وقت سابق، للتدخل ضد نظام الأسد، في إطار ائتلاف دولي مثيل للذي تدخل في ليبيا، قبل أن تتراجع عن موقفها بسبب التردد، بل الرفض، الأميركي، انضمت من دون تردد إلى الائتلاف الدولي المتدخل جواً ضد داعش في العراق، رافضة توسيع مهمات سلاحها الجوي العامل ضمن قوات الائتلاف إلى الأراضي السورية، بدعوى أن ذلك سيفيد نظام الأسد. وبقيت مصرة على رفضها ملاحقة التنظيم داخل التراب السوري. لكن، مع تدفق اللاجئين، غيرت موقفها، وقررت التدخل جواً ضد داعش في سورية. ومحاولة لتجاوز التناقض بين الموقفين، يقول الخطاب الرسمي إن هذا التدخل سيقوّض مخطط داعش لتجنيد جهاديين فرنسيين وأوروبيين عموماً.
واضح أن الموقف الفرنسي مبني على فرضيات خاطئة، على الأقل في بعض جوانبها. أهم هذه الفرضيات تلك التي تقيم علاقة سببية مباشرة بين داعش ووصول جحافل من اللاجئين السوريين إلى أوروبا وسعيهم دخول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بعض دوله مثل ألمانيا. هذه الفرضية صحيحة جزئيا فقط، لأن داعش ليست إلا أحد أسباب تدفق اللاجئين. فالمعارك الدائرة في سورية بين مختلف القوى المتناحرة، بين النظام ومعارضيه وبين داعش وبقية الفصائل، وأحياناً بين داعش والجيش النظامي، هي السبب في هروب السوريين من بلادهم. بمعنى أن الحرب هي سبب محنة اللاجئين، وكل محاولة لاختزالها في داعش مآلها الفشل.
من منظور الرأي العام الفرنسي، من الأحسن القول إن التدخل سيكون ضد داعش، وليس ضد
بغض النظر عن حسابات فرنسا المعلنة وغير المعلنة، فإن ربط قضية اللاجئين بداعش دون سواها تجاوز على الواقع، بالنظر لتعدد الأطراف المتورطة في محنة هؤلاء. فمجرد الصراع المسلح بين أطراف متناحرة، بصرف النظر عن موقفها من المدنيين، يتسبب في نزوح هؤلاء. فالذين فقدوا كل شيء بسبب الحرب، ليس أمامهم إلا النجاة بأنفسهم إن استطاعوا. ثم إن التركيز على داعش دون سواها تبرير، بشكل أو بآخر، للنظام السوري. فعلى الرغم من تداخل العوامل والفواعل المحلية والإقليمية والدولية في الصراع السوري، فإن مهمة أمن السوريين تقع على عاتق النظام، بغض النظر عن شرعيته من عدمها.
أما الفرضية الأخرى، فهي الاعتقاد بأن التدخل الجوي ضد داعش سيحد من حركة اللاجئين. فحتى لو افترضنا نجاح هذه العملية الجوية، فإن مواصلة النزاع المسلح بين القوى المتصارعة الأخرى كفيل بضمان استمرار تدفق اللاجئين. ومن ثم، فإن العملية، في حال نجاحها، قد تقلل من عدد هؤلاء، لكنها لا تحد من تدفقهم. كما أن هناك عوامل تكاد تكون مستقلة، يبدو أن القراءة الفرنسية تغفلها، أو على الأقل لا تعيرها الأهمية المستحقة. أولها وجود شبكات تهريب قوية للمهاجرين واللاجئين، فمن يريد مغادرة سورية، وله المال اللازم، سيجد شبكات تهريب تخرجه من البلاد، وتوصله إلى شواطئ أوروبا (حياً أو ميتاً) بوجود داعش أو بدونه. والشيء نفسه يقال عن تجنيد أوروبيين للقتال في سورية. فللحد من هذه الظاهرة، يتعين ضرب شبكات التجنيد والتهريب من جهة، والتخلص من مسارح الجهاد من جهة ثانية.
صحيح أن داعش تستهدف فئات أكثر من أخرى. لكن، في نهاية المطاف، ظروف الحرب في البلاد هي نفسها بالنسبة للمدنيين. ثانيها، أن اللاجئين السوريين في دول الجوار، لاسيما الأردن ولبنان، يسعون أيضاً للمغادرة نحو أوروبا. وعليه، العملية في غاية من التعقيد، إذ من الصعوبة بمكان تحميل تنظيم داعش، مهما كانت بشاعة أعماله وشناعتها، المسؤولية عن كل ما يجري في سورية. فهذا التنظيم لم يكن السبب في الحرب الدائرة في البلاد، بل تغذى من أزمة تسبب فيها النظام السوري بالأساس، ودول إقليمية أساءت التقدير لما طبقت قاعدة قلقة للغاية "عدو عدوي صديقي".
فضلاً عن هذا كله، تسيطر داعش اليوم على مدن آهلة بالسكان. وبالتالي، فالضربات الجوية لا تنفع في هذه الحالة، بل غير ممكنة بالنظر للخسائر البشرية التي ستحدثها. وعليه، فإن الضربات الجوية قد تضر جزئياً بداعش، باستهداف مواقعها المعزولة والمنكشفة وقوافلها المتحركة، لكنها لن تُقلق وحداتها المنتشرة في المناطق العمرانية. وبما أن التدخل البري مستبعد تماماً من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا، فإن الضربات الجوية ما هي إلا محاولة لإدارة الصراع، ومحاولة لقلب موازين القوى في سورية، بإضعاف داعش. وهذا ما قد يدعم عملياً النظام، وربما تنظيمات جهادية أخرى. ربما المراهنة الاستراتيجية الفرنسية والغربية عموماً هي أن تستفيد القوى المعارضة للنظام وللتنظيمات الجهادية من هذه الحملة الجوية، لتستعيد المبادرة ميدانياً. وهي مراهنة غير واقعية في الظروف الحالية، خصوصاً مع الدعم الروسي للنظام السوري. فإذا كانت روسيا غير مستعدة لدعمه، بشكل يسمح له بسحق المعارضة المسلحة، فإنها غير مستعدة للتخلي عنه، على الأقل على المدى القريب. وهنا، تعود الأزمة في فرنسا، وفي غيرها من القوى الغربية، إلى معضلة مستعصية الحل (بعد أن استتب أمر التنظيمات الإرهابية في البلاد): كيف يمكن محاربة التنظيمات الإرهابية في سورية، من دون أن يستفيد النظام من ذلك؟