لم تعد الإخفاقات التي تتعرض لها مشروعات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الاقتصادية، تتسبب وحدها في إلحاق الخسائر بالاقتصاد السعودي وزيادة أعباء الشركات الكبرى العاملة في هذا البلد، فقد تجاوزت تداعيات قضية اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، الشأن السياسي، لتنذر بمزيد من الخسائر.
ويلف الغموض مصير مؤتمر "مستقبل الاستثمار" المقرر انعقاده في العاصمة الرياض في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث حذف المنظمون، جميع أسماء الحاضرين من الموقع الإلكتروني للمؤتمر مع تزايد عدد الإلغاءات.
فالمؤتمر الذي أطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء" حكم عليه بالفشل الذريع قبل أن يبدأ، وفق صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، اليوم السبت، ما قد يتسبب في خسارة السعودية مليارات الدولارات، خاصة أن بعض الشركات أعلنت عبر مواقعها الرسمية أو مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها تعليق تعاملات لها مع المملكة.
ويتوالى انسحاب شركات عالمية ورجال أعمال بارزين، في ما علق الكثيرون حضورهم المؤتمر، الذي يعول عليه بن سلمان كثيرا في الترويج من جديد للعديد من مشروعات رؤية 2030 التي أصابها الخفوت، وذلك إلى حين معرفة المزيد من المعلومات بشأن ما حدث لخاشقجي، الذي أكدت تقارير أميركية وتركية مقتله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بأوامر عليا من الديوان الملكي السعودي.
وأمس الجمعة، قال دارا خسروشاهي الرئيس التنفيذي لأوبر تكنولوجيز، والملياردير ستيف كيس أحد مؤسسي "إيه.أو.إل" إنهم لن يذهبوا إلى الرياض. كما قال الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون إن مجموعة فيرجن التابعة له ستعلق مناقشات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشأن استثمار مزمع بقيمة مليار دولار في مشاريع فضائية للمجموعة. وقال مسؤول في البنك الدولي، إن رئيس البنك جيم يونغ كيم لن يذهب إلى الرياض بسبب تضارب مع جدول أعماله.
وامتنع إتش.إس.بي.سي أكبر بنك في أوروبا عن التعليق بشأن ما إذا كان رئيسه التنفيذي جون فلينت ما زال يعتزم الحضور. وإتش.إس.بي.سي "شريك استراتيجي" للمؤتمر.
كما تفادى مستثمرون كبار الإعلان عن مشاركتهم في المؤتمر. وقالت بلاك روك، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، إنها "تراقب الوضع عن كثب". ولم ترد شركة بلاكستون عملاق الاستثمار المباشر حتى الآن على طلبات للتعليق بشأن ما إذا كان الرئيس التنفيذي للشركة ستيفن شوارتزمان ما زال يعتزم الحضور والتحدث في المؤتمر، وفق ما ذكرته رويترز.
وقالت سيتي أوف لندن، حي المال في بريطانيا وإحدى أكبر جماعات الضغط بالقطاع المالي في البلاد، إنها تسعى بشكل عاجل لمعرفة المزيد من المعلومات بشأن خاشقجي.
وقالت لارا الزين، مديرة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية في واشنطن، في اتصال مع "العربي الجديد" إن تورط القيادة السعودية أو أجهزتها الأمنية في قضية اختفاء خاشقجي سيؤثر سلبا على مستقبل الشراكات الاقتصادية للمملكة مع الشركات العالمية الكبرى الذين يتوجسون من أي خرق محتمل للقانون الدولي والحريات العامة، لذلك فهم من الطبيعي أن يقلق المستثمرون على مستقبل استثماراتهم خلال المرحلة القادمة التي أصبحت في حكم المجهول.
وكان وزير الطاقة الأميركي السابق إرنست مونيز، قد قرر يوم الأربعاء الماضي، تعليق دوره الاستشاري في مجلس نيوم وهي منطقة اقتصادية عملاقة مزمعة يخطط لها بن سلمان، لحين معرفة المزيد من المعلومات بشأن ما حدث لخاشقجي.
وقال عبدالمنعم حسنين، الرئيس التنفيذي لشركة الرؤية للأبحاث الاقتصادية ومقرها البحرين خلال حديث مع " العربي الجديد"، إن الأخطر من عزوف الشركات العالمية عن الاستثمار في السعودية، هو هروب رؤوس الأموال المحلية، ما سيكون له بالغ الأثر على الاقتصاد السعودي الذي يعاني بالأصل من عجز في ميزانيته ولجأ إلى الاستدانة من أسواق خارجية خلال الأشهر الماضية.
وأحاطت الإخفاقات بالمشروعات والخطط الاقتصادية الرئيسية، التي أدرجها ولي العهد السعودي ضمن رؤية 2030 التي طرحها قبل نحو عامين وروج لها على أنها مستقبل السعودية، ما دعا مؤسسات مالية وبحثية عالمية إلى تبني مواقف أكثر تشاؤمية لمستقبل المملكة في ظل الفشل المتوالي على الصعيد الاقتصادي واستنزاف موارد الدولة.
وأظهرت العديد من التقارير الدولية مؤخرا، فشل 5 مشروعات وخطط ضخمة على رأسها إلغاء طرح حصة من شركة أرامكو عملاق النفط السعودي في أسواق المال العالمية، ما أدى إلى توجيه ضربة قاسية لرؤية بن سلمان، ما دعا وكالة بلومبيرغ الأميركية إلى نشر تقرير قبل نحو شهرين تطالبه فيه بأن "يفكر على قدر حجمه".
كما يحيط الغموض بمشروع ضخم للطاقة الشمسية بنحو 200 مليار دولار رغم التصريحات السعودية باستمراره، فيما تؤكد بيانات رسمية استدانة صندوقها السيادي المليارات من الأسواق الدولية.
وتسببت خطة عشوائية لسعودة الوظائف بشكل موسع في أضرار للقطاع الخاص وانحسار الاستثمارات المحلية والأجنبية، فيما أدى التراجع عن خصخصة الكثير من المشروعات إلى تعزيز شكوك المستثمرين في قدرة بن سلمان على الوفاء بوعوده لتنويع الاقتصاد.
وبينما رفعت رؤية 2030 شعار تنويع موارد الدولة وجذب المزيد من رؤوس الأموال وإنعاش الاقتصاد، كشفت الأرقام الرسمية وصول الدين العام للمملكة إلى مستويات تاريخية، بعد أن قفزت بنحو 1200% في غضون أربع سنوات، كما تحولت المملكة الغنية بالنفط من الفائض المالي إلى العجز رغم الاقتراض غير المسبوق.
وكشفت بيانات صادرة عن وزارة المالية في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن الدين العام للمملكة، قفز بنحو 1200%، في غضون أربع سنوات، ليصل وفق تقديرات الوزارة بنهاية 2018، إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار)، مقابل 11.8 مليار دولار نهاية 2014.