فقد عثر تروبين المهووس بصاحب "أوراق العشب"، والذي يقضي منذ بضع سنوات معظم وقته منقّباً في أرشيف الشاعر على رواية مفقودة لـ والت ويتمان (1819-1892)، في أوراقه المؤرشفة رقمياً والتي تضمّ ملاحظاته الخاصة وكتاباته ومراسلاته لمدة خمسين عاماً.
الرواية هي واحدة من عدة كتابات صحافية وروايات مثيرة ومشوقة لـ ويتمان، من بينها سلسلة مقالات بعنوان "الصحة الرجالية والتدريب"، كشف عنها تروبين نفسه سابقاً.
وفي الوقت الذي كان ويتمان يؤلف هذه الرواية البسيطة كان يعمل على "أوراق العشب" المجموعة التي يعتبر النقّاد ومؤرخو الأدب أنها حررت الشعر الأميركي من الوزن، وأدخلته مرحلة جديدة.
كان الأمر أشبه بعملية تنقيب، استغرقت بضع سنوات من حياة طالب جامعة هيوستن، في آثار ويتمان قبل أن يكرّس حياته للشعر، فقد عمل الشاعر النيويوركي معلّماً في مدرسة وصحافياً وروائياً. وكثيراً ما وقّع مقالات وروايات من دون أن يضع اسمه الحقيقي، وفقاً للطالب الذي اطّلع على الأرشيف، مبيّناً أنه كان يحاول حماية شخصيته الشعرية.
يقول تروبين إنه كان يفتش عن هذه الرواية التي ذاع صيتها، وظلت مفقودة لا يعرف أحد مصيرها، وربما تكون من أشهر الكتب المفقودة في أدب ويتمان، إلى أن وصل إلى دفتر ملاحظات فيه قصص نصف مكتملة وثلاثة أسماء غريبة: ويغليسوورث، سيمتث، جاك إنغل. "كمحاربٍ رقميّ اعتقدت أنني عثرت على ذهب" يصف تروبين عثوره على الدفتر.
بدأ الشاب بمطابقة هذه الأسماء مع أسماء مؤلفي منشورات، أو أسماء وردت في منشورات أميركية في القرن التاسع عشر، إلى أن عثر على إعلان صغير في صحيفة "نيويورك ديلي تايمز" في 13 آذار/ مارس 1852 يروج لرواية ستنشر قريباً في صحيفة The Sunday Dispatch بعنوان "حياة ومغامرات جاك إنغل".
قرر الشاب/المنقّب البحث عن هذا العدد ولم يكن ذلك بالأمر السهل، فقد كانت الصحيفة تباع بثلاثة بنسات ومليئة بمواضيع الإثارة والأخبار الخفيفة والأخطاء الطباعية ولم تكن جريدة يُحتفظ بها.
لكن وبعد بحث مضنٍ آخر، عثر الطالب على معلومة بأن نسخاً منها مدفونة ومنسية في مكان ما من مكتبة الكونغرس، ولكن لم تتم رقمنتها بعد. ولما لم يكن قادراً على تحمّل تكاليف السفر لزيارة المكتبة طلب نسخة من العدد المشار إليه بالبريد الإلكتروني وانتظر شهراً قبل أن تصله نسخة "بي دي إف".
وبالفعل كانت الرواية تتضمّن الأسماء التي وردت في دفتر ملاحظات ويتمان، حيث كانت تقبع في تلك الجريدة، ويصل عدد كلماتها إلى 36 ألف كلمة، وقد صدرت في الوقت الذي كان يكتب فيه مجموعة "أوراق العشب" التي نشرت عام 1855.
عنوَن ويتمان روايته باسم "حياة ومغامرات جاك إنغل: سيرة ذاتية (قصة نيويورك في الزمن الحاضر)". ويصفها توربين بأنها تشبه نسخة معدّلة من أعمال ديكنز، وتحكي قصة يتيم يعيش في مدينة نيويورك، كما أن فيها كل شيء يبحث عنه القارئ، من الرومانسية والإثارة والعنف إلى جانب كواليس تشويقية للمدينة الغامضة.
إن كان ويتمان كتب مرة في عام 1882: "أمنيتي الصادقة والجادة، أن تسقط كل تلك الكتابات الخام والصبيانية في غياهب النسيان"، وعلّق، عندما سمع لاحقاً أن أحد الناشرين مهتم بنشر أعماله القديمة، "على الأرجح أنني سأرغب في إطلاق الرصاص عليه لو أتيحت لي الفرصة"، فقد يكون هذا الشخص هو تروبين اليوم. لكن الأمر اختلف، فلا شيء الآن يمكن أن يحط من قيمة ويتمان الشعرية وتأثيره في تاريخ الشعر.
يذكر أن تروبين بدأ حالياً في البحث عن عمل مفقود آخر لـ ويتمان بعنوان "المتحدث نائماً" The Sleeptalker كان قد أشار إليه في عدد من مراسلاته.