ضآلة عربية أمام أطفال غزة

21 يوليو 2014

مقاومون فلسطينيون يتدربون قرب خانيونس (أغسطس/2008/Getty)

+ الخط -


ما أن بدأت إسرائيل عدوانها الجديد على غزة، حتى خرجت أصواتٌ، تتهم صواريخ حماس بالتسبب في (رد الفعل) اﻹسرائيلي العنيف، ثم عادت الأصوات، نفسها، تتهم حركتي حماس والجهاد الإسلامي بإزهاق أرواح الفلسطينيين برفضهما مبادرة مصر. والاتهامات نفسها لم تتغير منذ حرب إسرائيل ضد حزب الله عام 2006.

والحجة نفسها لم تتغير، الفلسطينيون بين قتلى وجرحى، بينما العدو لا يرتدع، أو يعيد الحق إلى أصحابه خشية المقاومة، أو بفضلها. وأن المقاومة يجب أن تكون قوية، حتى تنزل بإسرائيل الهزيمة. وفي هذا المنطق مغالطة، أو على الأقل خطأ في التقدير. فالمقاومة تكون من طرف مستضعف ضد آخر مستكبر، ومغتر بقوته المتفوقة فعلياً. ولو توازنت القوى، لما أصبحت مقاومة، ولصار الأمر حرباً، أو معركة بين متناظرين أنداد في العدد، أو في العتاد. والمقاومة دائماً تكون رد فعل مكافئاً، وليست فعلاً مبادئا، وعندما يكون المقاوم أضعف كثيراً، فليس من المنطق في شيء مطالبته بالكف عن المقاومة، لأنها لن تكبد العدو خسائر فادحة. وإلا لمَ المقاومة إذن؟

لو كل شعب محتل، أو مقهور، انتظر حتى يستوفي شروط ومقومات تكافؤ القوة مع العدو المحتل، أو السلطة الغاشمة، لما تحرر شعب من احتلاله، أو امتلك يوماً قراره. المقاومة تذكير للمحتل والعالم برفض الأمر الواقع، ودفع المعتدي إلى التفكير ملياً قبل معاودة الكّرة. وهنا، يجب الانتباه إلى إن منحنى شدة العنف واللاإنسانية في عمليات إسرائيل ضد غزة انخفض من "الرصاص المصبوب" إلى "عامود الدخان"، ثم أخيراً "الجرف الصامد". وبالطبع، الفضل في ذلك ليس للمقاومة وحدها، لكن من دونها ما كانت العوامل الأخرى ستجعل إسرائيل أكثر حذراً في كل عملية عن سابقتها. النتيجة الثانية المهمة لاستمرار المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي هي الربط الشرطي بين "الأمن" وإنهاء الاحتلال. حتى لا يتناسى الإسرائيليون، أو ينسى العالم أنه ما دام الاحتلال دامت المقاومة، وإلا لانتهت القضية، لو استكانت المقاومة، أو ارتكن المقاومون –كما يدعو بعضهم– إلى التفاوض وخيار التسوية السرمدية الذي آل إلى سلسلةٍ، لانهائية من مفاوضات تفرز مفاوضات، لتبلور حلولاً هي، أيضاً، تفاوضية وليست نهائية. وبالتالي، إذا كان التفاوض سيتيح لإسرائيل الاستمرار في احتلال الأرض، فإن معنى استمرار المقاومة أنها بذلك لن تحقق يوماً الأمن.

هناك، بعد ذلك، وجهان تكتيكيان لفوائد المقاومة ضد الاحتلال، أولهما حالة الرعب التي تصيب الإسرائيليين، وإن من دون خسائر فعلية كبيرة، لكنها تكفي لزعزعة استقرار أي حكومة واهتزاز ثقة الداخل الإسرائيلي بقدرتها على حفظ الأمن والدفاع، خصوصاً بعد المنظومة المضادة للصواريخ "القبة الحديدية" التي هلل لها الإسرائيليون كثيراً، ثم لم تنجح سوى في اصطياد عدد محدود من صواريخ حماس، وكثيراً ما تم خداعها.

العائد التكتيكي الثاني هو تحسين شروط المفاوض الفلسطيني، وأفضل من كان يجيد توظيف المقاومة لخدمة موقفه التفاوضي، هو الراحل ياسر عرفات، كان يدرك أهمية الجمع بين العصا والجزرة مع إسرائيل، وأجاد تلك الموازنة بامتياز، ولم يخسر يوما علاقته بالمقاومين لعلمه أنهم ظهير له دائماً ورأس حربة في يده أحياناً.

الدعوة لإدارة الصراع بحنكة من دون عنترية أو حماقة، قد تكون مفهومة ومقبولة، عندما يقدم أصحابها للفلسطينيين دعماً يزيد قوتهم، أو يقترب بهم من تحرير أرضهم. أما مطالبتهم بالكف عن المقاومة، حتى عندما يعتدي العدو عليهم، ودعوتهم إلى قبول ما يعرض عليهم مهما كان؛ فذلك تجسيد مخجل للعجز أمام إسرائيل، وانعكاس لشعور بالدونية والضآلة أمام أطفال غزة ونسائها، إذ يثبتون، كل مرة، أنهم أكثر رجولة منهم.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.