صُبيان في الصف

08 نوفمبر 2014
بعضهن بدأن يطلن النظر في المرآة (Getty)
+ الخط -
كنّ ثماني فتيات في الصف. لا يعرفن أكثر من وجوه المعلّمات. الذكر الوحيد في حياتهن المدرسيّة كان المدير. عاملة النظافة أنثى. المبنى بأكمله أنثوي بامتياز. ينظرن إلى المبنى المجاور المخصّص للصبيان. لا يعرفن عنهم شيئاً. لم يلمحنهم أبداً. وإذا صودف أن التقت نظرات الجميع عن طريق الخطأ أثناء مغادرتهم المدرسة، يشيحون برؤوسهم. لا يفكرون في الأمر. تأتي الاستدارة تلقائية.

لم يتجاوزن السنوات العشر. صغيرات يلملمن من بعضهن ما تيسّر من معلومات عن العادة الشهرية. هذا ما يعنيهن، بالإضافة إلى التفوّق. بعضهن كنّ قد بدأن يطلن النظر في المرآة. يتأملن وجوههن وقاماتهن ويباركنها في سرهن. لا يتحدثن عن الصبيان في المبنى المجاور. هؤلاء ليسوا من ضمن أولوياتهن. هم غرباء. أشبه بمخلوقات فضائية يرتجفن بسببها من البرد بمجرّد هبوطهم على الأرض.

لا يعني ذلك أنهن لم يعرفن الذكر في حياتهن، لكنهن عرفنه ضمن أطر محدّدة و"شرعية" في الغالب. اعتدن ضبط مشاعرهن ضمن هذه الأطر. يخشين أية مغامرة. يصعب عليهن أن يكون الذكر خارج دائرة الأب أو الأخ أو الضيف على أبعد تقدير. لا يتكبدن عناء التفكير بالأمر أصلاً.

يوم اللقاء كان غريباً. لم يتوقعنه أو ينتظرنه. كان أشبه بعبورٍ بين ضفتَين. لم يخترن الأمر، لكنهن اضطررن إلى تمرير بعض الأغراض إلى المعلمة المتواجدة في الصفّ "المحرّم" عليهن. خلال مرورهن على الجسر الذي يربط بين المبنيَين، كنّ كمن يهدمن "جدار برلين". لم يتحدثن في الأمر. لكن كنّ سعيدات. يبتسمن ويرتجفن. دقات قلوبهن تسابقهن إلى الصف. يضع بعضهن أيديهن على الصدور لتهدئتها. عبثاً. في هذه اللحظات عدن إلى طبيعتهن. والعودة بعد مرور بعض الوقت تكون مكثّفة وثقيلة.

ماذا سيرَين بعد دقائق؟ صبيان؟ كيف سيبدون؟ ماذا يرتدون؟ هل يعرفون بقدومنا؟ هل استعدّوا لهذه اللحظة؟ الأسئلة كثيرة. يسوّين خصلات شعرهن، وينظرن إلى بعضهن بعضاً. يتشاركن سؤالاً واحداً: من تكون الأجمل؟ تُحلّق "الأنا الأُنثى" في المكان. يقرعن الباب ويدخلن. لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقة. كان عليهن حفظ وجوه هؤلاء الصبيان خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة. لكنهن فعلن أكثر من ذلك. ورسمن كثير من القصص.

مكان وزمان هذه القصة ليسا مهمَّين هنا، علماً أنها حصلت في إحدى البلدان العربية. هؤلاء عانَين لاحقاً، لأنهن عجزن لوقت طويل عن التصرّف مع الذكر، الذي يمكن أن يكون صديقاً. ظلّ أشبه بـ "الصبي الغريب" الذي "اكتشفنه" فجأة، ونَسَجن معه القصص.
المساهمون