بهدف تفريق المتظاهرين، تعمد القوات العراقية إلى إطلاق مئات من قنابل الغاز المسيّلة للدموع يومياً في بغداد وجنوبي البلاد ووسطها، فيُصاب كثيرون في مناطق مختلفة من أجسامهم، علماً أنّ الإصابات الأخطر تأتي في الرأس والصدر، ويُنقلون إلى المستشفيات إلى جانب آخرين تعرّضوا إلى الاختناق من جرّاء الغاز. وعلى الرغم من التحذيرات التي وجّهتها منظمات حقوقية محلية ودولية من خطورة تلك القنابل إلا أنّها ما زالت تُطلق في وجه هؤلاء.
وفي محاولة لمواجهة تلك القنابل، شكّل متظاهرون عراقيون مجموعات تضمّ أكثر الشبّان سرعة وأخفّهم حركة من أجل تتبّع تلك القنابل ووقف دخانها قبل أن ينتشر في الأرجاء. وقد انطلق هؤلاء الشبّان بمهامهم تلك من بغداد ثمّ انتقلوا إلى كربلاء والبصرة إلى المدن الأخرى التي تشهد تظاهرات. ويُطلق على هؤلاء الشبّان المتطوّعين اسم "الكولجية" (حرّاس المرمى باللهجة العراقية) أو "صيّادي القنابل". ويُذكر أنّه في الإمكان تمييز صيّادي القنابل عن سواهم من المتظاهرين من خلال ملابسهم التي يغطّيها السخام ومعدّاتهم التي تتضمّن مقالي الطبخ ومضارب بهدف صدّ القنابل.
يقول حسن "طلقة" بحسب اللقب الذي منحه إيّاه زملاؤه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مهمّتنا هي الانتشار في نفق التحرير (في بغداد) وحول ساحة التحرير، على مقربة من قوات مكافحة الشغب حتى نتمكّن من ملاحقة تلك القنابل واصطيادها ثمّ إطفائها بالبطانيات والمياه أو رميها بعيداً عن المتظاهرين بهدف التخفيف من تأثير الغاز". ويشير حسن إلى أنّ "مستلزماتنا هي قفّازات سميكة وخوذ بلاستيكية لحماية الرأس وكمامات طبيّة، بالإضافة إلى الكولا والخميرة للإسعافات الأولية في حال التعرّض إلى الاختناق بالغاز".
رامي الذيب متطوّع آخر، يلقّبه زملاؤه بـ"الذئب" نظراً إلى سرعته الفائقة في ملاحقة قنابل الغاز. يقول لـ"العربي الجديد": "نعمد إلى مراقبة مسار قنابل الغاز منذ لحظة إطلاقها من قبل قوات مكافحة الشغب، ثمّ نركض خلفها لالتقاطها أو صدّها بالمضارب ومقالي الطبخ لتغيير وجهتها بعيداً عن المتظاهرين، ثمّ يأتي دور مجموعة الإخماد لإطفاء القنابل بالمياه أو الكولا أو البطانيات". يضيف الذيب: "استطعنا اصطياد مئات القنابل منذ انطلاق التظاهرات، وبالتالي إنقاذ مئات المتظاهرين في ساحة التحرير والمناطق المحيطة بها، لكنّ عناصر مكافحة الشغب يطلقون تلك القنابل بشكل أفقي قاتل نحو تجمّعات المحتجين حتى لا ننجح في اصطيادها".
وتنقسم مجموعات "الكولجية" أو "صيّادو القنابل" إلى ثلاثة أقسام، مهمّة الأوّل متابعة مسار القنابل منذ لحظة انطلاقها من خلال النظر، أمّا مهمّة الثاني فصدّ القنابل أو التقاطها بمقالي الطبخ الكبيرة أو صحون الساتلايت التي حُوّلت إلى دروع، فيما تقتضي مهمّة الثالث إبطال مفعول القنابل باستخدام البطانيات الثقيلة والكولا والمياه والخميرة.
في السياق، يقول الناشط عادل صبري لـ"العربي الجديد" إنّ "صيّادي القنابل أو الكولجية هم من أهمّ التشكيلات التي استحدثت في خلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في ساحة التحرير، وقد انتقلت هذه التجربة الناجحة إلى المدن الثائرة الأخرى في جنوب العراق. وتمكّن هؤلاء من إنقاذ آلاف المحتجين من القنابل التي تسبّب الاختناق وإصابات خطيرة للمتظاهرين". بالنسبة إلى البصري فإنّ "صيّادي القنابل من أشجع الشبّان على الرغم من صغر سنّهم، فأعمارهم تتراوح ما بين 15 عاماً و20، لكنّهم يتمتّعون بشجاعة فائقة وهم يتصدّون لقنابل الموت بأجسادهم في حال لم يتمكّنوا من صدها بالأدوات البدائية التي في حوزتهم". من جهته، يصف الكاتب محمد جمعة صيّادي القنابل بأنّهم "حرّاس الوطن".
تجدر الإشارة إلى أنّ المتظاهرين يعمدون إلى التصفيق والتهليل والرقص لتشجيع صيّادي القنابل الذين يلاحقونها ليلاً ونهاراً. في الليل تكون مشتعلة واضحة للعيان وفي النهار ملاحقتها ممكنة من خلال الدخان الذي تطلقه. يُذكر أنّ هؤلاء أقاموا متحفاً لقنابل الغاز بالقرب من النفق المؤدّي إلى ساحة التحرير، جمعوا فيه مئات قنابل الغاز التي تمكّنوا من إبطال مفعولها وإخمادها في خلال الأيام الماضية. ويوضح علاوي الحارس، وهو واحد من أفراد إحدى المجموعات، لـ"العربي الجديد" أنّهم عمدوا إلى ذلك "بهدف توثيق الإجرام الحكومي في حقّنا، فتلك القنابل التي جمعناها تبقى شاهدة على ذلك".