صورة ثلاثية الأبعاد من أجل الملك
استياء عارم وانتقادات عديدة، تداولها الناشطون والمدونون السعوديون بمجرد بث الإعلان الرسمي لفيلم النجم الأميركي توم هانكس "صورة ثلاثية الأبعاد من أجل الملك"؛ فمنهم من ساءه تجسيد الصورة النمطية للسعودي الذي ما زال يقطن الصحراء ويمتطي الجمال. ومنهم من ساءه العلاقة العاطفية بين البطل الأميركي والطبيبة السعودية. أما المدونات السعوديات فقد استأن من اختيار الممثلة الهندية البريطانية ساريتا تشودري لأداء الدور لزعمهن أن النساء السعوديات أجمل بكثير من الممثلة المذكورة!
ولعل كل الجدل الذي صاحب الإعلان هو ما أدى لمنع عرض الفيلم في دور السينما العربية، بالرغم من تصويره في صحراء المغرب والغردقة وحتى في جدة ومكة في بعض اللقطات العامة.
عدم عرضه هو ما جعل الآراء تخف وتكاد تنسى حول الفيلم الذي قل ما قرأنا أو شاهدنا عرضا عنه.
انتظرت حتى استطعت الحصول على الفيلم مقرصناً لأشاهده. وكوني زرت المملكة عشرات المرات، أثار استغرابي الاستياء الذي هوجم به الفيلم من دون أن يشاهد حتى.
في الفيلم، ظهرت المملكة السعودية كأي بلد عربي فيه الغنى الفاحش مقابل الفقر المدقع، وهو ما رأيناه في سيارة يوسف المتهالكة المركونة إلى جانب أحدث السيارات، وما نراه في حياة يوسف مع أهله في البر وبين نقيضه في مكتب حسن أو منزل زهرة الفخمين.
ظهر السعوديون في الفيلم كمستهترين من خلال مها السكرتيرة التي لا تدري أين مديرها بالضبط. لكنهم في الوقت نفسه، ظهروا بإحساس عال بالمسؤولية من خلال الطبيبة التي هرعت لإنقاذ مريضها بمجرد أن وردها اتصال منه.
ربما زاد الجانب السلبي عدم احترامهم المواعيد، وهي الصفة التي يتصف بها أغلب العرب، شئنا أم أبينا.. صدقا أكاد لا أعرف أي أجنبي عمل في أي دولة عربية إلا وعلق على هذه النقطة تحديدا، ومنهم مخرج العمل توم تيكوار الذي تحدث في إحدى المقابلات التلفزيونية عن صعوبة التصوير في جدة ومكة بسبب عدم استطاعتهم إضاعة الوقت في انتظار الموافقة المترددة من قبل الطرف السعودي الذي تأرجح رد فعله بين " نعم.. لا.. ربما"، بحسب قول تيكوار.
لم يتعمد الفيلم تشويه الصورة العربية المتمثلةفي المملكة العربية السعودية كما تؤمن العقلية العربية، فعلى النقيض تماما؛ نجد بطل الفيلم الأميركي ألان كلاي، والذي جسده توم هانكس، شخصا فاشلا، سواء في حياته المادية أو العملية، فقد عجز عن الاحتفاظ بشركته ومنزله وزوجته وحتى عجز عن دفع مصاريف دراسة ابنته الجامعية.
وها هو يحاول بيع نظام تقني جديد لدولة غريبة عنه في تجربة يائسة لا يعرف كيف ستنتهي. وفجأة يقابل الشخصيات العربية، المتمثلة في يوسف وزهرة، اللذين يقومان بانتشاله من يأسه بل وتقديم رؤية وبداية جديدة لحياته بالرغم من كل الاختلافات الثقافية، وهي الرسالة التي رددها مخرج الفيلم أكثر من مرة خلال لقاءاته التلفزيونية حول أهمية نتيجة التقارب الإنساني بين الثقافات المختلفة؛ فبالرغم من وجود كل أدوات الاتصال التي تجعلنا نعتقد أننا نعرف كل شي عن الطرف الآخر، إلا أننا ما زلنا بعيدين جدا عن بعضنا البعض.
ببساطة، المملكة السعودية مثلت المكان المتناقض الذي واجه فيه بطل الفيلم مفترق طرق حياته المليئة بالفشل؛ فالهدف لم يكن تسليط الضوء على عيوب المملكة، وإنما إبراز تناقضاتها لخدمة الجانب الكوميدي في الفيلم المأخوذ أصلاً من رواية أميركية صادرة عام 2012، تحت نفس الاسم للكاتب ديفيد ايغرز، وتم ترشيحها في العام نفسه لجائزة الكتاب الوطني، وهي إحدى أهم الجوائز الأدبية المقدمة سنويا للكتب المنشورة داخل الولايات المتحدة الأميركية.
تحكي الرواية قصة رجل مبيعات أميركي يائس من الأزمة الاقتصادية التي يواجهها، وهي ما تجعله يسافر إلى المملكة العربية السعودية لتأمين عقد عمل جديد يتعلق باستخدام نظام ثلاثي الأبعاد لمشروع استثماري ضخم مخطط له أن يقام وسط الصحراء.
يحسب للفيلم اختياره للشخصيات العربية، إذ لأول مرة يجيدون اللغة العربية واللهجة السعودية بإتقان نكاد لا نجده في أي فيلم يتحدث عن العرب؛ فباستثناء ضعف لغة البطلة البريطانية الهندية، فإن جميع من قاموا بأدوار السعوديين سواء كانوا ممثلين عرباً أو من أصول عربية، يتقنون العربية بطلاقة. وعلى رأسهم الممثل الأميركي أليكساندر بلاك، الذي قام بدور السائق يوسف. وكان بلاك أفضل من في الفيلم، بعد النجم توم هانكس، من حيث إبراز الجانب الكوميدي والبسيط في الشخصية السعودية.
وبالرغم مما ذكرته أعلاه، لكن كمسلمة استأت قليلا من جزئية استهتار الشاب السعودي في إدخال كلاي غير المسلم إلى مكة المكرمة، وإن كان قد أضحكني إحساسه بتأنيب الضمير المتأخر، حين طلب من كلاي ألا ينظر للحرم!!
وإذا كنت سأنتقد الفيلم فالنهاية غير الواقعية ولا المنطقية، تستحق الانتقاد، نظراً للعوائق الدينية والمجتمعية التي ستواجه كلاي وزهرة، ناهيك عن مشهد الغوص المثير للجدل والذي تناقله المغردون بغضب كونه لا يمثل المرأة السعودية.
إجمالاً فيلم "صورة ثلاثية الأبعاد من أجل الملك"، مقبول المستوى. لن أقول ممتازاً، لأنه يفتقر للكثير من العوامل التي اعتدنا أن نراها على الأقل في أفلام المبدع توم هانكس، لكن في ذات الوقت لا نستطيع القول إنه فيلم سيء أو مسيء لنا كعرب عامة أو للسعوديين خاصة.