صوت جديد: مع محمد جمال

08 يوليو 2020
(محمد جمال، العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "قبل عقد، كانت هناك بداياتٌ واعدة لظهور جيل أدبي واعد في مصر. لكن دخلنا جميعاً في الخلّاط"، يقول الكاتب المصري.


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- أوّل ما يتبادر إلى ذهني عند ذكر "الكتابة الجديدة" هو حديث البعض عن "التمرّد على القوالب" و"كسر الأُطر" وتجاوز كُلّ ما هو تقليدي بشكل عام. وبقدر ما أحترم هذه المحاولات، إلّا أنّي لا أسعى بالضرورة إلى كتابة نص يُوصَف بأنّه جديدٌ أو قديم. إن جاز التعبير، بنيةُ النص لا تَشغلُني بقدر ما يهمّني إن كانَ ما لديَّ يستحق التقديم لقارئ ما؛ في النهاية نوعُ الفكرة أو الحكاية التي أجلس لكتابتها هو ما سيستدعي نوع الكتابةِ المناسب له، جديداً كان أو قديماً. 


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- لا أملك أدنى فكرة. ربما كان هناك قبلَ عقدٍ من الزمن (في وقتٍ كنتُ فيه لا أزالُ طالباً مدرسيّاً) بداياتٌ واعدة لظهور جيل أدبي واعد في مصر. لكن دخلنا جميعاً في الخلّاط وارتبكتْ كُلّ المحاولات وتشتّتت. لا أستطيع القول إنّ هناك جيلاً أدبيّاً أو مشهداً ثقافياً، ذا ملامح بعينها، أنتمي إليه. بوسعي الإشارة بالطبع إلى بعضِ التجارب الفردانية الواعدة بشدّة من جيلي، أمّا البقية فقد بُعثِرت أشلاؤهم ولا أثر لأيّ "إيزيس" في الأفق. 


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- امتنان ومحبّة، تعلّمنا منهم وعرفنا عبرهم أنّ في العالم ما هو أكثر ممّا تراه أعيننا هنا والآن. هناك أعمال أدبية مصرية وعربية لا حصر لها غيّرت من رؤية المرء لنفسهِ وعالمه إلى الأبد. لا أتوقّع أنّ جيلنا أو أيَّ جيل لاحق سيقدر على تقديم ما يفوق ثلاثية محفوظ أو خماسية منيف على سبيل المثال، لا الحصر. (وهو توقعٌ لن يضايقني على الإطلاق أن يُثبِتَ أحدهم خطأه). 


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- علاقة "لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك".


■ كيف صدر كتابك الأوّل وكم كان عمرك؟

- تلك قصة كانت درامية في حينها وكوميدية عند تذكرها؛ فازت روايتي الأولى "كتاب خيبة الأمل" - ليس أكثر أسماء الروايات تجارية للأسف - بجائزة أفضل رواية في مسابقة "أخبار الأدب" عام 2017. وهي مسابقة مصرية معروفة نسبياً، كنتُ حينها في الخامسة والعشرين وتوقّعت أنّ فوزي يعني سهولة نشر حتمية، فقط لأدرك أنّ دور النشر المصرية لا تأبه كثيراً لشابٍ بلا تاريخ - وهو أمر منطقي -. بعد بحث مضنٍ وعدني صاحب دار نشر ذات انتشار واسع وجودة إصدارات ليست بالاتساع نفسه أنّه سينشرها مع مطلع العام القادم. لكنه لم يفعل وتوقّف عن الرد على الرسائل.

الترجمة تدريب رائع لعضلات الكتابة في المخ

كشاب سريع الغضب أتحتُ الرواية رقمياً في مطلع عام 2018 على الإنترنت مع مقطع فيديو لوّحت فيه بقبضتي غاضباً للناشرين الأوغاد (دون ذكر أسماء). انتشر الفيديو ومعه الرواية بصدفة ما على فيسبوك، نلت 15 دقيقة من الشهرة، على رأي آندي وارهول. هنا انهالت عليّ العروض من الناشرين لنشر روايتي نظراً للشهرة الفيسبوكية المؤقّتة دون حتى قراءة حرف منها. كان منهم ناشرون محترمون قدّموا عروضاً معقولة، لكني كغرّ وساذج وافقت على أكثر عرضٍ مغرٍ، فقط لأدرك بعد شهور طويلة من المماطلة أنّ صاحب أكثر عرض مغر هو بالضرورة الأكثر كذباً؛ طبع مئتي نسخة ثمّ اختفى في شارع خلفي ما، ولم أعد أستطيع إليه سبيلاً.

المهم، من بين أحداث هذا الفيلم الكوميدي الرديء، نالت "كتاب خيبة الأمل" عدداً لا بأس به من القراءات والمراجعات المستقلّة عن الضجة الخارجية، أكثر مما تنال رواية أولى لمؤلّف مغمور عادة، ولهذا أنا ممتن.


■ أين تنشر؟

- قدّمت تجربة لا بأس بها مع المقالات الرقمية على منصّتَي "منشور" و"حبر". روايتي الوحيدة منشورة إلكترونياً. أمّا بالنسبة للنشر الورقي فيبدو أنّ دعاء أمّي المستمر لي بـ"الستر" لقي استجابة إلهية، فلا يكاد ينفك عني الحُجُب. إلا أنّ تجربتي مع الترجمة كانت أوفر حظاً، فترجمتي الأولى لكتاب "البطل بألف وجه" مع "منشورات تكوين" حقّقت نجاحاً معقولاً جداً. وهناك مشاريع قادمة.
 

■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- قبل الاستسلام لغواية الكتابة كنت أقرأ فقط ما أستلطف قراءته دون الأخذ بالاعتبار أي عوامل. الآن صار الأمر أعقد؛ هناك قراءة بحثيّة لأجل ما أعمل عليه من مشاريع، ثمّة قراءة تعليميّة لدراسة أسلوبٍ بعينه أو فكرةٍ أحتاجها. لكن تبقى القراءة للمتعة هي الدافع الأول والأخير. أمّا مجالات القراءة، فبين الأعمال الأدبية، والعلوم الإنسانية (فلسفة وتاريخ وعلوم نفسية واجتماعية... إلخ)، التي هي بشكل ما نوع آخر من القراءة الأدبية.


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- أقرأ بالإنكليزية؛ بعد فترة معيّنة تكتشف أنّ كل ما تحتاجه ليس متوفّراً بلغتك، وإنْ توفّر لا تُقدّم الترجمة دائماً البديل الأفضل. كان لا بد من تطويع لغتي الإنكليزية لتلائم المزيد من القراءات.

في النهاية استطعت تطوير روتين مريح نفسياً، وهو قراءة الكتب (ورقية أو إلكترونية) بالعربية فقط، أمّا السّماع فللكتب الإنكليزية. ستندهش من الكم المذهل الذي ستقدر على تحقيقه من القراءة السماعيّة إبان انتظار فوران القهوة كُلّ يوم.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرْجَم أعمالُكَ؟

- لم يكن لديّ اهتمام بخوض لعبة الترجمة من قبل، وعندما عُرضت عليّ ترجمة "البطل بألف وجه" قرّرت خوضَ التجربة لاهتمامي بالكتاب لا بعملية الترجمة ذاتها. لكن فوجئت خلال ترجمتي له، أنّ ترجمة النص الجيّد تُعطي المترجم نشوةً تكادُ تقترب من نشوة كتابة النص الأصلي، دون الإحباط الناتج بالضرورة عن محاولات كتابة النص الأصلي التي لا تتكلّل دائماً بالنجاح. وبالإضافة إلى جرعة الدوبامين توفّر الترجمة تدريباً رائعاً لعضلات الكتابة في المخ، أجد أثرها دائماً في لغتي وكلماتي عند العودة لكتابتي الأصلية. لذا قرّرت اتّباع سبيلِ الترجمة بجوار الكتابة الأصلية بقدر الإمكان. 

أمّا عن الرغبة في أن تُترجَم أعمالي للغات أجنبية فهو شيء أحلمُ به بالطبع، لكني لا أسعى إليه الآن. أحتاج أولاً للوصول إلى النص الذي يستحق الانتشار العالمي لأسعى إلى ترجمته.


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- روايتي الثانية "طيران" انتهت تقريباً، وهي الآن في مرحلة التحرير، وهناك اتفاق مبدئي للنشر. ربما إن نجونا من الكورونا وغيرها من بلايا 2020 قد تجد طريقها للمكتبات مع نهاية العام الحالي أو مطلع العام الجديد. وهناك عدد من الكتب المترجمة المنتهية وشبه المنتهية سيُعلَن عنها تباعاً بحسب خطط دور النشر قريباً إن شاء الله.


بطاقة

كاتب ومترجم مصري، من مواليد الإسكندرية عام 1992. صدر له في الرواية "كتاب خيبة الأمل" التي حصلت على المركز الأول في جائزة "أخبار الأدب" المصرية عام 2017. وفي الترجمة "البطل بألف وجه" لجوزيف كامبل عن "منشورات تكوين" (2019).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون