صناديق انتخاباتهم وسكاكين مطابخنا

28 أكتوبر 2015
+ الخط -

في شتاء العام 1981، كنت في زيارة لمصر، وكانت زوجة خالي المصرية، السمراء الطيبة، تلتحف بطانيتها المهترئة أمام التلفاز، تشاهد الأخبار حين مرت على الشاشة صورة الرئيس السابق أنور السادات. وهنا، هتفت زوجة خالي: طيب أوي الراجل ده الله يخليه. فصحت بها بلهجتي الفلسطينية إنه ليس كذلك، لأنه وقع معاهدة مع إسرائيل. وقتها، كنت طفلة في عامي العاشر، فسألتني في سذاجة، ولم تكن تعلم أن السادات اغتيل: يعني الراجل ده وحش؟

حادثة أخرى تذكرتها، حين زار جمال عبد الناصر قرية في الصعيد، وهو يستقل سيارته المكشوفة المعتادة. التفّ حوله الفلاحون البسطاء، وهم يهتفون عاش الزعيم سعد زغلول. وهذه حادثة تشبه كثيراً قول عجوز ظهرت على التلفزيون، وهي تؤكد مشاركتها في الانتخابات النيابية في مصر الأسبوع الماضي، إنها أدلت بصوتها لصالح مصطفى باشا النحاس.

وانتشر، أخيراً، فيديو على "يوتيوب" يعرض مشهداً لكاميرا خفية، تطلب من مواطنين مصريين أن يرددوا عبارة "عاشت إسرائيل ويسقط العرب"، مقابل مبلغ مالي كبير. رفض كل من رصدتهم الكاميرا، ما ذكّرني بقول جدي الراحل "الشعب المصري يحب فلسطين لكنه مضحكوك عليه". كان ذلك عندما خرج مصريون عديدون، يهتفون بعد اغتيال الكاتب يوسف السباعي: لا فلسطين بعد اليوم.

غياب فئة الشباب الناخبين في مصر، في وقتٍ يخرج فيه شباب فلسطين إلى الشوارع لمطاردة العدو، يعكس حالة واحدة، هي فقدان الأمل بالحلول السياسية في البلدين، وكذلك سوء الأحوال المشترك الذي يحياه الشباب في مصر وفلسطين، نموذجان للشباب العربي الذي يعاني من فقدان خريطة مستقبله، وسوء حاضره.

"شباب أوسلو" كما يطلق عليهم هم شباب انتفاضة القدس، وهم في أعمار الشباب المصري الذي قاد ثورة 25 يناير، وكلاهما جيل البنطلون الساحل والشعر المجلل الذي أوحى للحكومتين، المصرية والفلسطينية، وللاحتلال الإسرائيلي أيضاً، بأنه جيل مأمون الجانب.

لا يقف الشباب المصري الذي امتنع عن المشاركة في الانتخابات موقف المتفرج، وهو ليس عديم الوطنية، لأنه هو نفسه الذي اعتصم من دون دعوات في الميادين، لكن البيئة السياسية هي التي تغيّرت، وأفقدت هذا الشباب حماسه، وخيبت آماله، بما في هذه البيئة من قمع واعتقال... عليهم أن يعودوا كما بدأوا، وكما بدأ شباب الانتفاضة، يتواصلون مع بعضهم من خلال شبكات اتصالات وأنباء خاصة بهم، تنقل لهم الحقائق على الأرض، وليست كما تصورها وسائل الإعلام الرسمية، فهم يتبادلون فيما بينهم رسائل، عبر "واتس آب" وأشرطة فيديو، وقائع اغتيال شهيد أو شهيدة، وكان المعتقد أن انشغال الشباب المصري والفلسطيني، مثلاً، بمواقع التواصل الاجتماعي سوف يدخلهم في غيبوبة، بعيداً عن واقعهم المتردي، كما انشغل الجيل السابق بمتابعة مباريات كرة القدم إلى درجة الخصومة والشجار فيما بينهم، وحجز تذاكر سينما لأفلام المقاولات، فانقادوا إلى صناديق انتخابات وهمية.

يجب أن يحاول الشباب المصري ثانية، وكما فعل الشباب الفلسطيني، حيث تواصلوا، من خلال الإعلام الجديد، وناقشوا أوضاعهم ومآل حياتهم، فخططوا لهبة القدس، ولن تقف إلا بإرادتهم، فليس عليهم فقط أن يقاطعوا الانتخابات، بل أن يقوموا بخطوة جديدة، لتقرير مصيرهم وعدم الاستسلام لمبررات الحكومة، وهي محاربة الإرهاب بالقضاء على الإسلاميين، أولاً، قبل الإصلاح الداخلي، كمحاربة الفقر وحل مشكلات الصرف الصحي والنفايات المتكدسة.

تساءلت بيني وبين نفسي، لو بقيت زوجة خالي على قيد الحياة فمن كانت ستنتخب، وهي التي هاتفتني آخر مرة، بعد تولى عبد الفتاح السيسي الرئاسة، قائلة بصوت واهن: ليه ما جيتي مصر، الرئيس اللي ماسك اليومين دول وحش، ما حدش من أهل جوزي في غزة قادر يجي مصر، وحشتوني... توفيت زوجة خالي بعد هذه المكالمة بشهر، بعد أن استنتجت، أخيراً، بنفسها إذا كان الرئيس هذه المرة "طيب ولا وحش".

 

 

 

 

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.