تعود أصول صلاح جمال إلى عائلة فلسطينيّة تقليديّة من بيسان، عائلة عاصرت النكبة ومآسيها وويلاتها، وتماهت مع الأرض، لتبقى في نابلس توثق ذكرياتها، مع ما تراه من الاحتلال الإسرائيلي العنصري الغاشم.
أنهى الدكتور صلاح جمال دراسته الابتدائيّة، والإعداديّة، والثانويّة في مدارس نابلس، ثم ألحّتْ عليه العائلة في هجرة قلبه "نابلس" والرحيل لدراسة الطب، حيث الطلاب الفلسطينيّون الراغبون بالدخول إلى الجامعة في ذلك الوقت عليهم إمّا السفر إلى دمشق، أو القاهرة، أما الاحتمال الثالث فهو المنفى الأبعد "أوروبا".
في البداية لم يقتنعْ أنّ الطب هو ما يميل إليه، كانت الكتابة والفلسفة والفنون منذ صغره، عشقه الذي لا ينضب ولا يخبو. إلّا أنّ أخاه الأكبر الذي درس الطب أيضاً في إسبانيا، ثمّ عاد إلى نابلس، وجه له نصيحة أنْ يدرس الطب لتأمين "لقمة العيش" أولاً، ثمّ بعد ذلك ليدرس ما يشاء.
خرج من نابلس عام 1969، متجهاً إلى الباخرة، التي أقلته إلى بريطانيا، وفي طريق البحر الطويل، كان على الباخرة أنْ تتوقف في برشلونة لمدة 7 ساعات للاستراحة، يقول الدكتور صلاح: "7 ساعات كنت أمشي في شارع الرملة الواصل بين ميناء برشلونة وساحة كتالونيا، رأيت الكثير من الهبيّين في ذلك الوقت، وفي إحدى الساحات الواقعة على يمين شارع الرملة، دعتني مجموعة من الهبيّين إلى الجلوس معهم وهم يعزفون الموسيقى، ثم سألوني من أين أنا، قلت لهم من فلسطين، فبدأوا بعزف أغنية عربيّة لم يحفظوا منها سوى كلمة يا مصطفى".
بعد ذلك أكملت الباخرة طريقها، ووصل صلاح في النهاية إلى لندن، وبعد 15 يوماً لم ير فيها الشمس، وقاسى برد لندن، لم يستطع البقاء هناك، فقرر أن يعود إلى مدينة "الهبيين"، إلى برشلونة صاحبة الشواطئ الخلابة، والجبال العالية ذات الصخور العارية. وأخبر أهله أنه سيذهب إلى برشلونة لدراسة الطب هناك.
وصل إلى برشلونة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1969، وبعد شهر واحد من وصوله، بدأ الدراسة في كلية الطب، لم تكن اللغة عائقاً أمامه، وذلك لولعه بالآداب، يقول الدكتور صلاح: "كنت إن وجدت صحيفة مرمية على الأرض، تناولتها، وقرأتها"، ونجح في الامتحانات الجامعيّة الأولى في عام 1970، والتي كانت باللغة الإسبانيّة، وأيضاً بدأ بتعلم اللغة الكتلانيّة الخاصة بإقليم كتالونيا. بعد وصوله بثلاثة أشهر إلى برشلونة اكتشف المركز الثقافي "أتينيو البرشلوني" المركز الأهم ثقافياً في كل إسبانيا، وأصبح عضواً في المركز الذي تبقى أبوابه مفتوحة حتّى الساعة 12 ليلاً، لمن يريد الدراسة والقراءة. أما كلمة "أتينيو" فهي كلمة لاتينيّة الأصل تعني المكان الذي يتم فيه النقاش والجدال. تعرف هناك على الكثير من الشخصيات الثقافيّة والسياسيّة المشهورة الآن في إسبانيا، وربطته بتلك الشخصيات علاقات صداقة ما زالت حتى الآن.
من يرى الدكتور صلاح، لا يعتقد أنّه من نابلس، فهو يتقن اللغة الكتلانية بشكل بارع وفني،
حتّى أن العارف باللغة يظن أنه من قرية كتلانيّة، ليس لتمكّنه من اللغة فقط، بل من اللكنة أيضاً، وكأن لغته الأم هي الكتلانية.
وخلال دراسته للطب لم ينس الدكتور صلاح هوايته في الكتابة والقراءة والفلسفة والتاريخ، وخلال سنته الرابعة في كلية الطب، بدأ بالدراسة في كلية التاريخ والجغرافيا أيضاً، في جامعة برشلونة، يقول الدكتور صلاح: "دراستي في كلية الطب كانت مسؤولية، أما دراستي في كلية التاريخ فكانت عشقاً ساحراً" وبصيغة أخرى وصف ذلك "الطب كانت الزوجة، أما التاريخ فالمعشوقة".
وخلال دراسته كان ينشر في صحف إسبانية وكتلانية مشهورة، مقالات متنوعة عن تاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية، والمنطقة العربية. وما أن انتهى من دراسته الجامعيّة في كلية الطب عام 1976، وكلية التاريخ في عام 1978، حتى بدأ بدراساته العليا في كلا القسمين، وتمكن من تحصيل رسالة الدكتوراة والاختصاص في الطب/ الأمراض الجلديّة عام 1981، وأيضاً استطاع تحصيل الدكتوراة في التاريخ والجغرافيا عام 1982.
بدأ بمسيرته كطبيب ناجح في برشلونة، واستمر في كتاباته التي لا يعتبرها إلا جزءاً أساسياً من شخصيته، وأكثر من ذلك، إن الدكتور صلاح عبر عن عشقه للتاريخ ولتقديمه القضية الفلسطينية في كتاباته بأسلوب مميز.
عمل أيضاً كبروفسور للمواد الثقافيّة والتاريخيّة في جامعة مدينة "بيك" في كتالونيا، لمدة سبع سنوات، من عام 2004 حتى 2011. ومنذ ست سنوات يعمل محاضراً في جامعة برشلونة المركزية في رسائل الماجستير مع دكتورة الأدب العربي الكتلانية المعروفة "مونيكا ريوس". وزاول كل ذلك إلى جانب عمله طبيباً.
وككاتب وأكاديمي وباحث في العادات الثقافية، ومقيم في إسبانيا منذ 45 عاماً، أصبح له تأثير في مسار السياسات الإسبانية فيما يخص المنطقة العربية، حيث يعتبر مرجعاً أساسياً ومهماً للسياسيين الإسبانيين والكتالونيين، والأحزاب السياسية الإسبانية بمختلف آيديولوجياتها.
وهو مؤلف مجموعة كتب باللغة الإسبانية والكتلانية، وذو حضور وانتشار واسع بين القراء في إسبانيا، وفي المشهد الثقافي الإسباني، ومن كتبه: "فلسطين: احتلال ومقاومة"، و"وصفات وروايات"، و"بعيداً عن الأفق المعطر"، و"كل ما يجب معرفته عن العرب". وشارك مع
كتاب آخرين، مثل نعوم تشومسكي وطارق علي، في تأليف عدة كتب. وترجمت كتبه إلى لغات عديدة: الإنكليزية، الألمانية، الإيطالية، البرتغالية، ولغات أخرى. ومن الجدير بالذكر أن كتابه "وصفات وروايات" بيع منه حتى الآن في إسبانيا وحدها 100 ألف نسخة، ولازالت عدة دور نشر تطبعه وتبيعه في سوق الكتاب.
أحد مؤسسي الجالية الفلسطينيّة في إسبانيا، والتي يرى أن على الجالية الفلسطينية ككل، وليس كهيئة إدارية فقط، يقع عبء إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الإعلامية.
الدكتور صلاح جدٌ لخمسة أحفاد، وأبٌ لثلاثة أبناء، وزوج كتلانية. مازالت رائحة نابلس وفلسطين تعبق في حواسه.
أنهى الدكتور صلاح جمال دراسته الابتدائيّة، والإعداديّة، والثانويّة في مدارس نابلس، ثم ألحّتْ عليه العائلة في هجرة قلبه "نابلس" والرحيل لدراسة الطب، حيث الطلاب الفلسطينيّون الراغبون بالدخول إلى الجامعة في ذلك الوقت عليهم إمّا السفر إلى دمشق، أو القاهرة، أما الاحتمال الثالث فهو المنفى الأبعد "أوروبا".
في البداية لم يقتنعْ أنّ الطب هو ما يميل إليه، كانت الكتابة والفلسفة والفنون منذ صغره، عشقه الذي لا ينضب ولا يخبو. إلّا أنّ أخاه الأكبر الذي درس الطب أيضاً في إسبانيا، ثمّ عاد إلى نابلس، وجه له نصيحة أنْ يدرس الطب لتأمين "لقمة العيش" أولاً، ثمّ بعد ذلك ليدرس ما يشاء.
خرج من نابلس عام 1969، متجهاً إلى الباخرة، التي أقلته إلى بريطانيا، وفي طريق البحر الطويل، كان على الباخرة أنْ تتوقف في برشلونة لمدة 7 ساعات للاستراحة، يقول الدكتور صلاح: "7 ساعات كنت أمشي في شارع الرملة الواصل بين ميناء برشلونة وساحة كتالونيا، رأيت الكثير من الهبيّين في ذلك الوقت، وفي إحدى الساحات الواقعة على يمين شارع الرملة، دعتني مجموعة من الهبيّين إلى الجلوس معهم وهم يعزفون الموسيقى، ثم سألوني من أين أنا، قلت لهم من فلسطين، فبدأوا بعزف أغنية عربيّة لم يحفظوا منها سوى كلمة يا مصطفى".
بعد ذلك أكملت الباخرة طريقها، ووصل صلاح في النهاية إلى لندن، وبعد 15 يوماً لم ير فيها الشمس، وقاسى برد لندن، لم يستطع البقاء هناك، فقرر أن يعود إلى مدينة "الهبيين"، إلى برشلونة صاحبة الشواطئ الخلابة، والجبال العالية ذات الصخور العارية. وأخبر أهله أنه سيذهب إلى برشلونة لدراسة الطب هناك.
وصل إلى برشلونة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1969، وبعد شهر واحد من وصوله، بدأ الدراسة في كلية الطب، لم تكن اللغة عائقاً أمامه، وذلك لولعه بالآداب، يقول الدكتور صلاح: "كنت إن وجدت صحيفة مرمية على الأرض، تناولتها، وقرأتها"، ونجح في الامتحانات الجامعيّة الأولى في عام 1970، والتي كانت باللغة الإسبانيّة، وأيضاً بدأ بتعلم اللغة الكتلانيّة الخاصة بإقليم كتالونيا. بعد وصوله بثلاثة أشهر إلى برشلونة اكتشف المركز الثقافي "أتينيو البرشلوني" المركز الأهم ثقافياً في كل إسبانيا، وأصبح عضواً في المركز الذي تبقى أبوابه مفتوحة حتّى الساعة 12 ليلاً، لمن يريد الدراسة والقراءة. أما كلمة "أتينيو" فهي كلمة لاتينيّة الأصل تعني المكان الذي يتم فيه النقاش والجدال. تعرف هناك على الكثير من الشخصيات الثقافيّة والسياسيّة المشهورة الآن في إسبانيا، وربطته بتلك الشخصيات علاقات صداقة ما زالت حتى الآن.
من يرى الدكتور صلاح، لا يعتقد أنّه من نابلس، فهو يتقن اللغة الكتلانية بشكل بارع وفني،
وخلال دراسته للطب لم ينس الدكتور صلاح هوايته في الكتابة والقراءة والفلسفة والتاريخ، وخلال سنته الرابعة في كلية الطب، بدأ بالدراسة في كلية التاريخ والجغرافيا أيضاً، في جامعة برشلونة، يقول الدكتور صلاح: "دراستي في كلية الطب كانت مسؤولية، أما دراستي في كلية التاريخ فكانت عشقاً ساحراً" وبصيغة أخرى وصف ذلك "الطب كانت الزوجة، أما التاريخ فالمعشوقة".
وخلال دراسته كان ينشر في صحف إسبانية وكتلانية مشهورة، مقالات متنوعة عن تاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية، والمنطقة العربية. وما أن انتهى من دراسته الجامعيّة في كلية الطب عام 1976، وكلية التاريخ في عام 1978، حتى بدأ بدراساته العليا في كلا القسمين، وتمكن من تحصيل رسالة الدكتوراة والاختصاص في الطب/ الأمراض الجلديّة عام 1981، وأيضاً استطاع تحصيل الدكتوراة في التاريخ والجغرافيا عام 1982.
بدأ بمسيرته كطبيب ناجح في برشلونة، واستمر في كتاباته التي لا يعتبرها إلا جزءاً أساسياً من شخصيته، وأكثر من ذلك، إن الدكتور صلاح عبر عن عشقه للتاريخ ولتقديمه القضية الفلسطينية في كتاباته بأسلوب مميز.
عمل أيضاً كبروفسور للمواد الثقافيّة والتاريخيّة في جامعة مدينة "بيك" في كتالونيا، لمدة سبع سنوات، من عام 2004 حتى 2011. ومنذ ست سنوات يعمل محاضراً في جامعة برشلونة المركزية في رسائل الماجستير مع دكتورة الأدب العربي الكتلانية المعروفة "مونيكا ريوس". وزاول كل ذلك إلى جانب عمله طبيباً.
وككاتب وأكاديمي وباحث في العادات الثقافية، ومقيم في إسبانيا منذ 45 عاماً، أصبح له تأثير في مسار السياسات الإسبانية فيما يخص المنطقة العربية، حيث يعتبر مرجعاً أساسياً ومهماً للسياسيين الإسبانيين والكتالونيين، والأحزاب السياسية الإسبانية بمختلف آيديولوجياتها.
وهو مؤلف مجموعة كتب باللغة الإسبانية والكتلانية، وذو حضور وانتشار واسع بين القراء في إسبانيا، وفي المشهد الثقافي الإسباني، ومن كتبه: "فلسطين: احتلال ومقاومة"، و"وصفات وروايات"، و"بعيداً عن الأفق المعطر"، و"كل ما يجب معرفته عن العرب". وشارك مع
أحد مؤسسي الجالية الفلسطينيّة في إسبانيا، والتي يرى أن على الجالية الفلسطينية ككل، وليس كهيئة إدارية فقط، يقع عبء إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الإعلامية.
الدكتور صلاح جدٌ لخمسة أحفاد، وأبٌ لثلاثة أبناء، وزوج كتلانية. مازالت رائحة نابلس وفلسطين تعبق في حواسه.