25 أكتوبر 2020
صفقة القرن أمام المستنكرين في العراق
لا تفوّت الطبقة الحاكمة في العراق منذ 2003، أي ملف مثار في العراق أو المنطقة، إلا وحاولت استغلاله لتبرز عضلاتها التي نفخها الكذب والادّعاء أمام الرأي العام، رغم الزمن الذي أثبت أن الطبقة المتسلطة في هذا البلد المنكوب مجرد عصابة مخصصة للنهب والتخريب، على حساب البلاد وشعبه.
وبعد أن كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء 28/1/2020، عن النقاط الرئيسة لخطة السلام المزعومة بين الكيان الصهيوني وفلسطين المحتلة "صفقة القرن"، تسابق السياسيون في المنطقة الخضراء للتنديد والاستنكار الشكلي، الذي لم ولن يقدّم شيئاً على أرض الواقع، لا قريباً ولا بعيداً.
إن خطة السلام المزعومة التي صدّعت إدارة ترامب بها رؤوسنا، تذكرنا بالواقع المؤلم الذي لجأت إليه إدارة جورج بوش الابن مطلع القرن الحالي، حينما بدأ يرسم خطة السلام والديمقراطية، وتحرر شعب العراق وشعوب المنطقة من الطاغية الذي يرونه بأعينهم، وكانت خطة السلام المزعومة عبارة عن إبادة لأكثر من مليون ونصف مليون عراقي، وتفتيت مجتمع بأكمله، وتخريب بلد كان يضاهي أقوى بلدان العالم بقوته العسكرية والاقتصادية والصناعية على حد سواء.
الطبقة السياسية التي تحكم العراق وتتسلط على شعبه منذ 2003، جلبها الاحتلال الأميركي ووضعها على سدة الحكم، وباركها بدستور موبوء بالثغرات والبنود الطائفية، التي تجعل من العراق ضعيفاً طول الزمن، وهي اليوم تزعم ضرورة طرد الاحتلال الأميركي من العراق! بعد 16 عاماً من التواطؤ والصمت التاريخي المخجل لكل ما سبّبه المحتل من تدمير وتخريب.
الجريمة الأميركية التي تذرعت بها لنشر السلام في الشرق الأوسط، عبر غزو العراق عام 2003، هي ذاتها جريمة اليوم التي يتغنى بها ترامب أمام العالم حول القضية الفلسطينية، وكيف يريد أن يبني خطة سلام على حساب معاناة ملايين الفلسطينيين، منتهكاً العدالة والقوانين وحقوق الإنسان، التي نصت عليها منظمة الأمم المتحدة، وبإقرار منظمة العفو الدولية التي أكدت الأربعاء 29/1/2020 أن هذه الصفقة لا تراعي حقوق الشعب والقوانين والعدالة.
نعود إلى موقف ساسة بغداد من صفقة القرن، حيث إن الاستنكار تعلّمته هذه الطبقة السياسية على مرّ السنين الماضية، فهي ما وقعت جريمة ما ضد حقوق الإنسان، إلا واكتفت بالاستنكار أو التنديد، متناسية جرائمها التي كانت السبب الرئيس فيه، ولا سيما في ما يتعلق بحقوق الشعب العراقي المسلوبة منذ الاحتلال.
الاستنكار اليوم أصبح تسويقاً سياسياً ينتهجه سكان المنطقة الخضراء وسط بغداد، حيث إنه أداة للتقرب إلى حكومة طهران، التي هي الأخرى تدّعي محاربة الاحتلال في فلسطين، ولم تطلق رصاصة واحدة ضده، إلا أنها تمارس أبشع الجرائم ضد شعوب المنطقة.
ويسعى المستنكرون في العراق لصفقة القرن أن يشغلوا الشارع العراقي الغاضب من موقفهم المخزي تجاه ما يحدث من إبادة حقيقية للمتظاهرين، كذلك فإنهم يسعون في استنكارهم إلى أن يسوّقوا لأنفسهم بموقف يغسل ماء وجههم الأسود، أمام شعوب المنطقة، متناسية أن التجارب الماضية التي سجلها التاريخ، تؤكد أن الطبقة السياسية الحاكمة جاءت لنهب العراق وتخريبه وامتصاص دماء شعبه، خاصة أن معظمهم كانوا يحاربون العراق بجانب إيران في حرب الثماني سنوات، فضلاً عن مواقفهم المخزية بوقوفهم مع الاحتلال الأميركي وتواطئهم مع الاحتلال الإيراني.
أقول في آخر كلماتي، وإن لم ينتهِ الحديث عن هذه الطبقة، لولا أن طبيعة المقال تجبرني على أن أختتم: إن الطبقة الحاكمة اليوم في العراق عبارة عن تماثيل بوجهها شاشات تحكي ما تريده الدول النافذة في هذا البلد للحفاظ على كرسي الحكم، وتكذب أمام الشعب نفاقاً لتصدق نفسها ويكذّبها الشعب الذي كشف عقولهم وأدرك أنّ خلاص العراق ودول المنطقة يكمن باستعادة قوة العراق، التي تأتي عبر قلع جذور هذه الطبقة من المنطقة الخضراء الموبوءة بالمنافقين.