صغار غزة يخضعون لعلاج نفسي جراء العدوان

15 اغسطس 2014
أطفال غزة يتعاطون مع آثار العدوان(عبد الحكيم ابو رياش)
+ الخط -

في عنبر بمستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، يحاول طبيب الأطفال ربيع حمودة أن يرصد أي استجابة من عمر (ثلاثة أشهر) وشقيقه محمد الذي أتم شهره الثامن عشر أملا في أن يتفوها ببعض الكلمات أو ربما ابتسامة.

كل ما يفعله الطفلان، اللذان انتشرت على جسديهما حروق وجروح أحدثتها الشظايا التي أصيبا بها من القذيفة الإسرائيلية التي أصابت منزلهما في قطاع غزة، هو أنهما يحملقان في الطبيب ببلادة أو دون مشاعر على مدى سبع دقائق متصلة.

وأخيرا، وبينما كان حمودة يستثيرهما برفق بالتظاهر بأنه يخلط بين اسميهما، أو يخفي هدية بينما يشير طبيب آخر إليه بهدوء، بدأت ابتسامة ترتسم على وجه محمد، الطفل الأكبر، وبدأ عمر يصرخ عندما يسمع اسمه.

يشرح حمودة الذي يترأس فريقا من 150 معالجا نفسيا يعملون لدى المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، ومقره غزة "في البداية لم يكن هناك استجابة من الطفل عمر معنا.. لم يكن حتى يرضى أن يقول ما اسمه".

ويضيف "لقد حدث تقدم كبير مع هؤلاء الأطفال" وقد بدا على وجهه شعور بالارتياح وإحساس هادئ بالإنجاز. وتابع قائلا "في البداية لم يتحدثا ورفضا التواصل. لكننا الآن ومع الجلسة السادسة نشهد تقدما جيدا".

عمر ومحمد وهدان اثنان من بين 400 ألف طفل في غزة تقدر الأمم المتحدة أنهم في حاجة إلى رعاية نفسية ليس فقط بسبب الأحدث في القطاع، وإنما أيضا بسبب الحروب الثلاثة السابقة التي خاضها القطاع مع إسرائيل منذ عام 2006.

والصراع الأحدث المشتعل في غزة هو الأدمى وقتل فيه 1945 فلسطينيا، معظمهم مدنيون وبينهم ما يقدر بنحو 457 طفلا. وعلى الجانب الآخر قتل 64 جنديا إسرائيليا وثلاثة مدنيين.

ومهما تكن نتيجة الضربات الجوية الإسرائيلية بالنسبة لأطفال غزة، مقتل الأبوين أو الأقارب أمام أعينهم أو سماع النشطاء وهم يطلقون الصواريخ من بلداتهم أو إصابتهم هم أنفسهم بجروح، فإن الصدمة النفسية عليهم بالغة الشدة.

وتتراوح أعراض الصدمة النفسية بين الكوابيس والتبول اللاإرادي والنكوص السلوكي والقلق النفسي الموهن، بما في ذلك عدم القدرة على التعامل مع الخبرات أو التعبير اللفظي عنها.

وهناك، أيضا، صدمة نفسية عميقة على الجانب الآخر من الحدود، حيث أصيب عشرات آلاف الأطفال الإسرائيليين باضطراب عقلي نتيجة الإطلاق المتكرر للصواريخ طوال الحرب التي استمرت شهرا أو خلال الأعوام السبعة منذ سيطرة حماس على قطاع غزة.

وبينما يمكن رؤية الدمار الناجم عن الحرب على المباني ومصادر الرزق بوضوح وموثقة بشكل يومي في اللقطات التلفزيونية، فإن الضرر الذي لحق بالعقول غير مرئي على الأرجح لكن قد تكون له نتائج أكثر أثرا وتستمر لمدى أطول.

وقال كريس جانيس المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) التي يعمل لديها 200 معالج نفسي في ما يصل إلى 90 عيادة في غزة "المرة الأولى التي يمر فيها طفل بحدث صادم مثل الحرب يكون الأمر مروعا بشدة".

"في المرة الثانية يكون الأمر أكثر من مروع لأن الطفل يتذكر الجوانب الأسوأ للحرب الأخيرة، بالإضافة إلى تأثير الحرب الحالية. ثم تكون المرة الثالثة مروعة أكثر وأكثر؛ لأن الذكريات المتراكمة للحرب تتجمع".

"هذه المرة فإن الأمر شديد جدا بالنسبة لطفل في غزة عمره ثمانية أو تسعة أعوام، لأن هناك هذا الأثر التراكمي للصدمة من الحروب المتكررة منذ عام 2006".

خطوات صغيرة

ويستطيع حمودة وفريقه مثله مثل وحدات العلاج النفسي الأخرى التي تعمل في أنحاء القطاع الصغير -الذي يقدر عدد سكانه بنحو 1.8 مليون نسمة أكثر من نصفهم دون الثامنة عشرة- أن يتعاملوا بالكاد مع العدد الكبير للمرضى الذين يحتاجون لمساعدة نفسية.

والعلاج بسيط يكون بمحاولة لإخراج الأطفال من حالتهم بجعلهم يرسمون صورا عن خبراتهم أو مشاعرهم أو دفعهم للتعبير عن ظروفهم.

وبينما يمكن تحقيق الكثير بهذه الأساليب البسيطة فإن كثيرا من المرضى يحتاجون إلى رعاية نفسية شخصية أطول مدى؛ نظرا لهول الضرر العقلي الذي أصيبوا به.

يقول حمودة "في البداية نحن نقوم بتقديم دعم نفسي اجتماعي أولي للأطفال الجرحى، والذين يعانون من صدمة نفسية، وأيضا نقوم بتوجيه أولي الأمر الوالدين أو العائلة نحو كيفية التعامل معهم" ثم هناك رعاية منزلية ومتابعة للحالات الأشد.

ويضيف "البيوت يمكن إعادة بنائها وبعض الجروح تشفى، ولكن الأمور النفسية تحتاج لشيء أكبر من الوقت والمال. تحتاج إلى جهد كبير وإلى إقناع، وأولا وأخيرا تحتاج إلى هدوء واستقرار".

ومن بين المشاريع الأكثر نجاحا في غزة لمساعدة من يعانون من الصدمات النفسية برنامج غزة للصحة النفسية الذي بدأ في عام 1990.

ويصف حسن زيادة وهو طبيب نفسي يعمل في البرنامج، الحرب الأحدث ببساطة بأنها الأسوأ منذ عام 2006 حيث فقد عشرات الفلسطينيين عددا من أفراد عائلاتهم.

وقال زيادة الذي تحدث بالإنجليزية "تشير توقعاتنا إلى أن أكثر من ثلاثين في المائة من الناس هنا في غزة سيعانون من اضطراب نفسي".

والعاملون المحترفون في مجال الصحة ليسوا بمنأى. وقتل ستة من أفراد عائلة زيادة أثناء الحرب: والدته وثلاثة من أشقائه وأخت زوجته وابن أخيه. ويتلقى الآن مشورة نفسية من كبير المعالجين النفسيين في العيادة.

وقال "إنها خسارة صادمة حقا وليس سهلا علي أن أتعامل معها" مضيفا أن عددا آخر من أفراد الفريق عانوا من تجارب مماثلة.

وأصبح الضرر النفسي واسع الانتشار إلى حد أن الأونروا التي تدير مدارس في أنحاء قطاع غزة، جعلت العلاج النفسي جزءا من المقررات الدراسية.

قال جانيس "ندير الآن برنامجا كبيرا جدا لعلاج الأبوين والأطفال... نضطر لإضافة هذا النوع من العلاج إلى المقررات في مدارسنا".

دلالات
المساهمون