استمع إلى الملخص
- بدأ انتشار الإسلام في سيبيريا خلال حكم القبيلة الذهبية، حيث أسس المسلمون خانية سيبيريا، وشهدت تلك الفترة تعايشاً دينياً ناجحاً.
- يُظهر سكان سيبيريا تسامحاً عالياً تجاه المسلمين، رغم وجود حوادث متفرقة من الإسلاموفوبيا، خاصة بعد هجمات إرهابية في موسكو.
"المسلمون على حافة العالم" هو اللقب المجازي لمسلمي سيبيريا التي تقع في أقصى شمال الكرة الأرضية، والتي تعتبر المنطقة الأبعد شمالاً التي يعتنق مئات الآلاف من سكانها الأصليين الإسلام، وهو أكثر ديانة انتشاراً في سيبيريا، قارسة البرودة، بعد المسيحية.
وفي غياب إحصاءات دقيقة، يقدر إمام المسجد الجامع بمدينة كيميروفو، روبين منيروف، عدد المسلمين في مقاطعته بما لا يقلّ عن 100 ألف شخص، مؤكداً أن المسلمين لا يتوزعون بالتساوي بين الكيانات الإدارية الواقعة في سيبيريا. ويقول منيروف الذي تلقى تعليمه في العاصمة المصرية القاهرة، ويعمل إماماً في كيميروفو منذ 14 عاماً، لـ"العربي الجديد": "سيبيريا منطقة شاسعة تبلغ مساحتها نحو 10 ملايين كيلومتر مربع، أي أكثر من نصف مساحة روسيا، ويعود أول دليل على وجود المسلمين فيها من خلال الوثائق التاريخية إلى عام 1394. حالياً هناك مقاطعات تقطنها أعداد لا بأس بها من المسلمين، مثل مقاطعة تيومين، في مقابل ندرتهم بمناطق مثل جمهورية تيفا، وتحتضن مقاطعة كيميروفو أكثر من 20 مسجداً عاماً، وبضعة مساجد أخرى تابعة لمشفى أو سجن أو ثكنة عسكرية".
ويوضح: "نواجه نقصاً في الأئمة والمعلمين، ورغم الطقس شديد البرودة شتاء، لا تتسع المساجد لجميع الراغبين في أداء الصلاة في عيدي الفطر والأضحى، لذلك تخصص السلطات المحلية مسطحات أو مجمعات رياضية لأداء الصلاة في العيدين، وما زلنا نواجه تحدي توفير الوجبات الحلال في المدارس ورياض الأطفال، لكن بات من الممكن إيجاد مطاعم ومتاجر حلال بسهولة قياساً بما كان عليه الوضع قبل 15 عاماً. يؤدي نحو 50 من مسلمي كيميروفو فريضة الحج سنوياً، ونعتزم تأسيس مدرسة لحفظ القرآن الكريم".
ورغم مرور سنوات طويلة على مغادرته مصر، يعتز منيروف بتجربته التعليمية في القاهرة، وزياراته لعدد من البلدان العربية، ويبدي سعادته حين مصادفة طلاب أو سياح عرب في كيميروفو، ويسعى لتقديم العون إليهم، واصفاً الأمر بالقول: "نشعر كأننا أنصار وهم مهاجرون".
من جهته، يشير الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، إلى أنّ "الإسلام بدأ انتشاره في سيبيريا في عهد القبيلة الذهبية أو الخاقانية، وهي إمبراطورية منغولية كانت تحكم من القرن الـ13 إلى القرن الـ15 الميلادية الأراضي التي تضم حالياً كازاخستان وسيبيريا وشرق أوروبا، وقد رسخ هذا تجربة تعايش ناجحة بين الأديان مقارنة بأقاليم روسية أخرى".
ويقول سيميونوف لـ"العربي الجديد": "امتدّ حكم القبيلة الذهبية إلى منطقة أورال الفاصلة بين قارتي آسيا وأوروبا، وفي فترة حكمها زاد انتشار الإسلام في سيبيريا، لكن المرحلة الرئيسية من انتشار الإسلام كانت في القرنين الـ14 والـ15 الميلاديين، مع توافد المسلمين من آسيا الوسطى، وتأسيسهم لـ(خانية سيبيريا)، وهي دولة إسلامية تحت قيادة الأتراك، وقد انضمت إلى الدولة الموسكوفية بعد أن احتلها قوزاق يرماك، ثم إلى الدولة الروسية لاحقاً".
ويُعَدّ أتامان القوزاق يرماك، واسم شهرته "توكماك"، من الشخصيات البارزة في التاريخ الروسي، نظراً لدوره المحوري قائداً حربياً في احتلال غرب سيبيريا بأمر من القيصر إيفان الرابع الملقب بـ"الرهيب" في القرن السادس عشر. ويوضح سيميونوف أن "تتار سيبيريا انتشروا على امتداد ضفاف الأنهار الرئيسية، وهم يختلفون من جهة الأصل عن تتار قازان أو أستراخان، نظراً لاختلاطهم بشعوب آسيا الوسطى كالبخاريين وغيرهم، ولأن الإسلام انتشر في سيبيريا على امتداد أنهار مثل إيشيم وتوبول وإيرتيش، فقد أسسوا دولة إسلامية كبيرة، حتى إن بعض الأسماء الجغرافية مثل تيومين لها أصول إسلامية، إذ يرجع أصلها إلى لفظة (تومين) التتارية التي كانت تستخدم للإشارة إلى التجمعات الكبرى من قوات المغول".
وحول العلاقة بين المسلمين ومعتنقي الأديان الأخرى في سيبيريا حالياً، يؤكد: "لدي انطباع عام بأن سكان سيبيريا يبدون درجة أعلى من التسامح تجاه المسلمين مقارنة بمناطق روسية أخرى، نظراً لتجربة طويلة الأمد من التعايش السلمي، من دون أن يمنع ذلك وقوع حوادث متفرقة على خلفية ظاهرة الإسلاموفوبيا في المدن الكبرى مثل نوفوسيبيرسك".
وبعد واقعة الهجوم الإرهابي الذي نفذه مهاجرون طاجيك على قاعة العروض "كروكوس سيتي هول" على أطراف موسكو في مارس/آذار الماضي، شهدت روسيا موجة من مظاهر الإسلاموفوبيا شملت بدء تطبيق حظر على ارتداء النقاب في بعض الأقاليم، وتعالي الأصوات المطالبة بفرض قيود على حركة الهجرة الوافدة.