لا تزال "المؤسَّسة من أجل الإسلام في فرنسا"، التي أعلن عن تأسيسها فرانسوا هولاند قبل أشهر، من أجل تنظيم الشأن الديني الإسلامي، وهو تقليد حرصت كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة على إنجازه، ولم يؤدّ بعد إلى تطبيع نهائي للعلاقات بين الدولة والإسلام الفرنسي، ووضعت على رأسها السياسي العجوز جان-بيير شوفنمان، تراوح مكانها. وآخر فصولها، رفض مسجد باريس الكبير، الذي يُعتبر موقفُه مهمّا في ما يخص الإسلام في فرنسا، والذي تحرص السلطات السياسية الفرنسية على أخذ مواقفه بالحسبان، للمشاركة في نشاطاتها.
ويعود السبب، كما يقول عميد مسجد باريس، دليل بوبكور، الذي يدير هذه المؤسسة من دون منازع، إلى أن بعض رغبات المسجد لم تتم تلبيتها من قبل وزارة الداخلية والأديان. ولهذا السبب أكد أنه لن يشارك لا في الأشغال التي أعلنت عنها "المؤسَّسَة من أجل الإسلام في فرنسا"، ولا في "مجلس التوجيه"، الذي اقْتُرِح عليه منذ عدة أشهر ترؤسه، ولا في إنشاء "الجمعية الثقافية".
وبرر الأمر برفضه أيّ شكل من أشكال التدخل في إدارة الديانة الإسلامية وتمثيليتها. وكشف عن أن قرارات عديدة تصدر، من دون أن يكون لمسلمي فرنسا أي دور فيها. وناشد بوبكور الفدراليات والجمعيات الإسلامية في فرنسا رفض "كل وصاية على ممارسة العبادة".
والحقيقة، التي يعرفها كل من يشتغل بالشأن الديني الإسلامي في فرنسا، أن المبرّرات المعلنة، حتى وإن كانت معقولة، لا يمكن أن تصدر من شخص يتحكم في مسجد باريس، وكأنه ملكية خاصة، ولم يُعرَف عنه أي ميل لاستشارة الآخرين وأخذ آرائهم.
وهذا ما دفع عبد الله زكري، الأمين العام للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والعضو في الفدرالية الوطنية لمسجد باريس الكبير، للإعلان عن أسفه لموقف مسجد باريس وعميده، وكشف عن أن قراراً اتخذ من دون استشارات مسبقة.
ولكن السبب الحقيقي لغياب عميد مسجد باريس الكبير، كما أكده لنا مراقبون كثيرون، من بينهم محمد زرولت، رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا، والباحث جمال الحمري، الذي أصدر، قبل أيام كتاباً لافتا عن المفكر الإسلامي الفرنكوفوني الكبير الراحل، مالك بن نبي، ليس ما أعلن عنه في وسائل الإعلام، بل يتعلق الأمر بحسابات ومصالح، تتعلق بتقليص عدد الأشخاص الذين يحقّ للشيخ دليل بوبكور، باعتباره رئيسا مفترضا لـ "مجلس التوجيه"، أن يُعيّنهم، من سبعة إلى ثلاثة أشخاص، و"هو ما يهدد بتقليص نفوذه في هذه المؤسسة".
والحقيقة أن هذه هي أول أزمة كبرى لهذه المؤسسة منذ ظهورها، لأن حضور دليل بوبكور ضروريٌّ بسبب أهمية مسجد باريس الكبير الرمزية، وأيضا بسبب دفاع المسجد عن إسلام معتدل وفي وئام مع السلطات الفرنسية.
والنتيجة المؤسفة، كما يقول لنا، الباحث جمال الحمري، هي غياب الإسلام عن مائدة الجمهورية وانتظار الحكومة الجديدة بعد أشهر، أي مراكمة الفشل، ومواصلة الانتظار الذي لا نهاية قريبة له.