صراخ ترامب وكيم جونغ أون

24 سبتمبر 2017
+ الخط -
تضع السياسة الخارجية الأميركية المشهد الدولي في تأرجح بين الحلين، العسكري والدبلوماسي، تجاه الملف النووي لكوريا الشمالية، ما يربك حلفاء الولايات المتحدة مع انسياق الإعلام خلف هذا، بين حرب مدمرة وانهيار للسلام العالمي وبين ميول نحو الحل الدبلوماسي. وبين هذا وذاك، تفصح سياسات الإدارة الأميركية القديمة في ملفات سابقة، مثل العراق وفيتنام وكوريا الشمالية وأفغانستان، عن ماهية رغبات الإدارة الأميركية.
ودولياً، يفسح المجال للدبلوماسية الدولية، والأميركية خصوصا، للعمل بأقصى طاقتها وبجميع أدواتها مسنودة بجمل من القرارات والعقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية من تفعيل للمنظومة الدرع الصاروخية والغواصات والسفن الحربية التي تقطع بحر اليابان ذهاباً وإياباً للضغط على بيونغ يانغ، لفرض شروط عليها، وإيصال رسالة مضمونها رفض الانجرار للتوقيع على اتفاقيات شبيهة بالتي سبقتها في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، أملاً في تغيير سياسة بيونغ يانغ، فهل يكون الملف الكوري الشمالي مثل سابقيه على أجندة الحروب الأميركية؟
تحرص كوريا الشمالية كل الحرص، على الرغم من صراخها، بأن لا تجازف بالبدء بالحرب، فهي ليست جاهلة عن قوة الجيش الأميركي، حتى تدفعه إلى الحرب للدفاع عن نفسها، وحتى الولايات المتحدة الأميركية لها الموقف نفسه.
وجدت الحكومة الأميركية في قضية كوريا الشمالية ضالتها في ترجيح موازين السياسة الداخلية الأميركية وتعديلها، خصوصا أنّ ترامب يُجَابَه في مجلس النواب والقضاء والإعلام والرأي العام، فمعظم سياساته التي رغب في إنفاذها توقفت عند أبواب مجلس النواب وعند القضاء، مترافقة بهجوم كبير من القنوات الإعلامية مع استمرار انخفاض شعبيته في استطلاعات الرأي العام الأميركي، في حالة شبه تمرّد غير مسبوق في الحياة السياسية الأميركية على رئيس أميركي. لذلك بدأ الرئيس الأميركي يتخوّف من الكونغرس بعدم إعطاء موافقته على حربه ضد كوريا الشمالية، في حال إعلانها، ليكون مصير الحرب توقفها، ويكون بهذا قد أنهى حياته السياسية من غير عودة.
على مستوى الأمن القومي الأميركي، هناك سببان يجعلان من أميركا تستثمر قضية التوتر مع كوريا الشمالية لصالحها.
الأول، مشروع الدرع الصاروخية، إذ تستخدم الإدارة الأميركية كوريا الشمالية شماعة لنشرها هناك. وهنا، لا تزال الصين وروسيا متخوفة من نشر الدرع، وبشدة، لأنهما تعتبرانه تقييداً لهما ومحاولة لتوسع أميركي في المنطقة.
الثاني، يتعلق بالطاقة النووية، وبعيدا عن الأسلحة، فهي تعتبر من القوى السياسية والاقتصادية الناعمة، ومن يمتلكها يمتلك أدوات التحكم بالسياسات الدولية واقتصادها، فالوقود النووي لا تنتجه إلا دول قليلة في العالم، وتسعى أميركا التي تعتبر من أكبر المنتجين والمصدرين للوقود النووي حصر المنتجين من الوقود النووي. لذلك، رفضت الاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية، كما سعت الإدارة الأميركية أيضاً إلى إيقاف المشروع النووي الإيراني قبل وصوله إلى مراحل تخصيب عالية لإنتاج الوقود النووي عالي الكفاءة، تستطيع من خلاله تشغيل مصانع ومحطات كبيرة، وتلبي حاجتها من الطاقة، وتستطيع تصديره في المستقبل.
ويبدو من سياسة ترامب، بتعامله مع الملف النووي الكوري الشمالي، عدم رغبته في التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع كيم جونغ أون، وأنه غير مستعد للدفع لها في سبيل إيقاف المشروع النووي، محاولاً السير على خطى زميله في الحزب الديمقراطي، جورج بوش الابن، باعتبار أنّ أميركا تحوّلت من شرطي دولي إلى جابية أموال دولية في عهد ترامب، من عقد صفقات سلاح مع كوريا الجنوبية واليابان وعمان وقطر والسعودية، والضغط على أعضاء حلف الناتو لدفع مستحقاتهم على الحلف، ووقف تمويل المعارضة السورية المسلحة، وتخفيض ميزانية الخارجية الأميركية. لذلك أن تأتي الآن لتدفع لكوريا الشمالية أموالاً لتوقف برامجها النووية هذا آخر ما يتمناه رجل الأعمال دونالد ترامب.
30F1069C-9142-4BC8-B8D3-7C3F97BDB45F
30F1069C-9142-4BC8-B8D3-7C3F97BDB45F
باسل الحمادة (سورية)
باسل الحمادة (سورية)