صخب وجدال سياسي فرنسي بعد العملية الإرهابية الأخيرة

14 مايو 2018
الحكومة الفرنسية: صفر خطر لا وجود له (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -

بعد كل اعتداء إرهابي يضرب فرنسا، يهرَع اليمين الفرنسي، بشقيه التقليدي والمتطرف، إلى المطالبة بتشدد إضافي، ويعيد ممثلوه السياسيون اقتراحاتهم التي ستسبب، في حال تطبيقها، حَرَجاً بالغاً لـ"بلد حقوق الإنسان والمواطن". 

ولم يتغير الأمر هذه المرة، التي تميزت بـ"دخول الشيشانيين إلى الحلبة"، بعد أن كان الاهتمام والرصد مُنصبَّيْن، كما يعترف مسؤول استخباراتي فرنسي متقاعد، على المغاربيين، خاصة من أصول مغربية وتونسية. 

وقد تعالت أصوات لوران فوكييز ومارين لوبان وكوكبة مستشاريها لانتقاد الحكومة وإدارتها لما حدث، وهو ما دفع الناطق باسم الحكومة، بنجامان غريفو، إلى إبداء الأسف من غياب "وحدة وطنية"، وإلى تأكيد حقيقة ثابتة أنه "للأسف، صفر خطر لا وجود له"، وإلى استعراض إجراءات الحكومة من أجل رد فعّال على الإرهاب، مذكّرا بـ"التصويت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على قانون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب". 

واستدرك غريفو بقوله إنه في مثل هذه المآسي "تبدو كل نجاحاتنا في مكافحة الإرهاب غير مرئية"، ووعد بتعبئة إمكانات الدولة في هذه المواجهة، مؤكدا أن "الرئيس ماكرون يتابع سير العمليات دقيقة بدقيقة".

وما أن عُرِف اسم الإرهابي الشيشاني، وعُرِفَ أنه كان تحت المراقبة منذ سنة 2016، وأنه مُدرجٌ في قائمة "إس"، حتى انصبت مطالبات ممثلي اليمين، وعلى رأسهم لوران فوكييز، باعتقال العناصر المتطرفة الموجودة في هذه القائمة، وهو ما رفضه الناطق باسم الحكومة، مذكرا بما قاله في هذا الصدد الرئيس ماكرون من قبل، وأيضا بموقف فرديريك بيشنار، المدير العام للشرطة الوطنية، والعضو في حزب "الجمهوريون"، الذي عارَض، بشكل علني، مواقف فوكييز، "لأنّ ذلك سيحرم السلطات الأمنية من الوصول إلى الشبكات، وبالتالي لن يكون ممكنا تفكيك العمليات التي يمكن أن تحدث غدا". 

ودخلت صحيفة "لوفيغارو" اليمينية، مرة أخرى، بكل ثقلها، للدفاع عن فكرة خطورة المتواجدين في قائمة "إس"، واستغلت ما حدث لتوجيه النقد للسياسات الحكومية، فتضمنت افتتاحيتها، التي حملت عنوانا مستفزا "أمس، وغدا…"، خلطا متعمدا بين العديد من القضايا.

فبعدما استعرضت أسماء إرهابيين كانوا في قائمة "إس"، وكانت لهم اتصالات مع سورية، علّقت الافتتاحية بأنّ "هذه الأفعال لم تجذب انتباه السلطات"، وأضافت: "فرنسا تعيش حالة انفصام، فهي تبكي ضحاياها وتغض الطرف عن الأصولية التي تقضم الضواحي والمدارس. تدّعي الدفاع عن المساواة بين الرجل والمرأة، في أدق تفاصيل القانون، ولكنها تسمح، في بعض الأحياء الشعبية، للسَلفّيين بمراقبة ملابس النساء".

 

ثم ختمت في نوع من المنطق، الذي لا تعرف سرّه سوى هذه الصحيفة، حيث الأكاذيب والمغالطات: "الدولة أسيرة علمانية تثير السخرية، تحذَر من القلنسوة أكثر مما تحذر من الحجاب، تصدح بتعلقها بقانون 1905 وفي الوقت نفسه تنظّم مجيء مائة إمام من أجل رمضان.. لكنها لا تطرد كل الدعاة المعادين للسامية أو الذين ينادون بالعنف".   

ثم كرّست ملفا طويلا بعنوان مثير: "الهجوم بالسكّين يعيد موضوع قوائم (إس) إلى الواجهة". واستعرضت قائمة من الموجودين في هذه القائمة، الذين انتقلوا إلى الفعل، فارتكبوا اعتداءات إرهابية، ومن بينهم محمد مراح، ومهدي نموّش، والأخَوَان شريف وسعيد كواشي، وحامدي كوليبالي، وياسين الصالحي، إضافة إلى الانتحاريين الثلاثة في مسرح باتكلان، وعادل كرميش وعبد الملك بوتيتجان ورضوان لقديم.       

وتأكيدا لموقفها المتشدد ضد اللجوء والهجرة، تطرقت الصحيفة الفرنسية إلى ظاهرة اللاجئين الشيشان، وأبرزت صعوبات محاكمتهم في فرنسا، بسبب حيازتهم على حق اللجوء في فرنسا. وهو "ما يجعل محاكمتهم صعبةً على القضاة، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة محامين منخرطين في الدفاع عن القضية الشيشانية".

وأبرزت أمثلة شيشانيين حوكموا سنة 2016 بتهمة تمويل تنظيم "داعش" الإرهابي سنة 2013، ولكنّ قرار "حرمانهم من الإقامة في التراب الوطني" لم يُطبَّق بسبب مخاطر تتهددهم عند عودتهم إلى بلادهم. 

كما أبرزت "لوفيغارو" صعوبة يواجهها القضاة الفرنسيون، وهي أنهم يُحاكمون أفرادا شيشانيين معزولين خططوا لتنفيذ اعتداءات بالسلاح الأبيض، وليس شبكات.

وترى الصحيفة الفرنسية أن فرنسا تعرف "هدوءا خادعا"، في انتظار عمليات ذات حجم كبير، وتستشهد بتأكيدات المحامي تيبو دي مونبريال، الذي يزعم أن "الأسوأ يوجد أمامنا".

ويطالب المحامي بالاهتمام بالبلاغات الخاصة بالوقاية من التطرف (FSPRT)، التي تضمّ 20 ألف شخص، ويتعلق الأمر بـ"أشخاص راديكاليين إسلامويين قد ينتقلون إلى الفعل".

ويرى المحامي أن مراقبة هذا الكم الكبير صعبة، وبالتالي فإن "الأسوأ يوجد أمامنا"، ويبرر ذلك بالقول إن "المقاتلين الأوائل في الخارج، والذين حوكموا في فرنسا سنتي 2013، و2014 بدأوا يخرجون من السجن. وفي سنة 2020 سيخرج 64 في المائة منهم من السجن، وهم في حدود المئات"، ويضيف أن "بروفايلات هؤلاء مقلقة، لأنه يتعلق الأمر بأشخاص متمرسين في القتال". ويضاف إلى هؤلاء آلاف من الجهاديين الفرنكوفونيين، الذي لم يعتقلوا ولم يُقتَلوا في العراق وسورية، و"البعض منهم يأمل في نقل الحرب إلى فرنسا".

واعتبر دي مونبريال، الذي يترأس أيضا مركز تفكير حول الأمن الداخلي، أن هذا "الجهاد المنخفض الكلفة" يتناسب مع حقبة انتقالية نعيشها الآن، وهي حقبة "هدوء خادع"، قبل العودة إلى عمليات بحجم كبير.