مجزرة صبرا وشاتيلا لا تزالُ حاضرة في أذهانهم. أولئك الذين عايشوها يتذكرون أصغر التفاصيل رغم مرور 32 عاماً على وقوعها. كأنّها حدثت أمس. الموت يحتلّ الجزء الأكبر من ذاكرتهم. يحاولون نسيانها وينجحون في كثيرٍ من الأحيان. لكنها في لحظة ما، تظهر لهم بكل وحشيّتها.
محمد سرور، وهو من مخيّم شاتيلا، كان شاهداً على المجزرة التي أفقدته والده وأربعة أشقاء. القصة بدأت يوم الثلاثاء 14 سبتمبر/أيلول عام 1982. فبعد مقتل الرئيس اللبناني، بشير الجميّل في ذلك الوقت، عرف سكان المخيمات أن شيئاً ما سيحصل. برهن ذلك تقدّم القوات الإسرائيلية نحوهم. أضاف: "يوم الخميس في 16 سبتمبر/أيلول، كانت هناك تحركات مريبة. عناصر عسكرية كثيرة جمعت معلومات عن أصحاب المنازل الذين يقطنون أطراف المخيم ومداخله والطرق المؤدية إليه".
يتابع سرور: "ذهبت وبعض الفتية لنحضر المياه من منطقة قريبة من المخيم. مرت سيارة جيب عسكرية إسرائيلية، فأطلق مقاتلون فلسطينيون النار عليها. وعند الساعة الخامسة تقريباً، بدأ رصاص القنص. قتلت امرأة ولم نستطع إنقاذها. وشعرنا أنه يتم التحضير لشيء ما".
يضيف سرور: "احتمينا في الطابق السفلي من منزلنا المكون من طبقتين. وعند حوالي الساعة الخامسة والنصف، غادر بعض السكان المخيم. شاهدت عناصر مسلحة تتقدم باتجاه الشارع الرئيسي. لم يكونوا جنوداً إسرائيليين. طلب منّا والدي مغادرة المنزل خوفاً علينا. أما هو فرفض المغادرة. وصلت إلى الشارع الرئيسي وطلبوا مني التوقف. لكنني هربت. أطلقوا علي النار فاتجهت نحو مستشفى غزة. صعد بعض المسلحين إلى منزل موجود في أطراف المخيم، وبدأوا القنص".
صباح الجمعة 17 سبتمبر/أيلول، "التقيت بشخص طلب مني عدم الذهاب إلى المخيّم. أخبرني عن مجزرة ترتكب هناك. قال إنهم قتلوا أبا أحمد سرور وأولاده. لم يكن يعلم أنني ابنه. توجهت إلى مستشفى غزة. كان أخي يبكي. سألت شقيقتي نهاد عن والدي وأشقائي فلم تستطع الإجابة. أخبرتني أنه حوالي الساعة الخامسة صباحاً، كانت والدتي تعد الفطور من دون أن تعلم بوجود مجزرة. جارتنا ليلى مجذوب صعدت إلى الطابق العلوي برفقة أخي نضال. رآها المسلحون وصرخوا: بعدكم طيبين؟ انزلوا. طلبوا منها أن يتحدثوا إلى والدي. سألوه إن كان يحمل السلاح والمال. طلبوا من الجميع الوقوف على الحائط. بدأوا بإطلاق النار. مات والدي. كان أخي نضال مختبئاً خلف الخزانة لكنهم أصابوه. تظاهرت أمي وشقيقاتي بالموت، فغادر المسلحون. سارعت والدتي إلى اصطحاب أختي نهاد إلى المستشفى". يذكر أن "عدد شهداء المجزرة وصل إلى 3500 شخص تقريباً، عدا المفقودين".
إحياء الذكرى يُساعد سكان المخيّم على التفريغ ربما. لدى طبيب كان يعمل في مستشفى عكا في ذلك الوقت ما يخبره أيضاً. يقول: "ليل 14 سبتمبر/أيلول، بدأت القنابل المضيئة تنير سماء المخيم. وفي صباح اليوم التالي، حضر رجل إلى المستشفى مصطحباً مجموعة من الأطفال. أخبرني أنهم يقتلون الناس داخل المخيّم. وفي الليل، أطلقت القنابل المضيئة مرة أخرى".
أضاف: "كنا نتساءل عن كيفية إخراج الناس من المستشفى. قال أحدهم إننا سنخرجهم بالسيارات. رفضت لأن ذلك يعني موتنا جميعاً. ثم هربت مع عدد من الأشخاص. قفزنا فوق الأسلاك الشائكة، ولم نشعر بالخوف. لكن تملّكني الخوف عندما وصلت إلى الشارع العام. إلى أن أقلني مجموعة من الأشخاص في سيارة وأوصلوني إلى مستشفى أخرى". وتابع: "كان هناك مجموعة من الفتيات استطعن الهرب، إحداهن خطيبة طبيب جراح فرنسي، ومعها فتاة لبنانية وأخرى فلسطينية، تم اغتصابهن". يضيف: "حتى اللحظة، ما زلت أشعر بغضب شديد لما تعرض له أهالي صبرا وشاتيلا. لا يمكن نسيان هذه المشاهد. سترافقنا حتى الموت".
شهداء المجزرة
قدّرت لجنة التحقيق الإسرائيلية "كاهان" عدد شهداء مجزرة "صبرا وشاتيلا" بنحو 800 شخص. أما بيان نويهض الحوت، فقالت في كتابها "صبرا وشاتيلا - سبتمبر 1982"، إن "عدد الشهداء هو 1300 شخص على الأقل".
وأشار الصحافي البريطاني روبرت فيسك إلى أن عدد الضحايا وصل إلى ألفين". أما الصحافي الإسرائيلي ـ الفرنسي أمنون كابليوك، فقال إن "الصليب الأحمر جمع ثلاثة آلاف جثة".