صالونات التجميل: مكان "هُنّ" الآمن
منهن المُكرهة على الذهاب وقد حتّم عليها القدر أن تخطوَ بضع خطوات نحو نيل الجمال.. وأخريات لم يكتفين بما منّ الله عليهن من جمال ويطمعن بالمزيد. أنت لا تعرف أن ذلك "الصالون" هو عالم مغاير للصورة النمطية لدى المجتمع، ولا تعرف أن الحلّاقة تصل أحياناً لمرتبة كليوباترا الفراعنة أو مارلين الغرب.
كالورد الذي يمُرّ موسمه فيبدأ بالذبول، تشعر حواء بنفسها تفتقد لبعض من جمالها فتتجه لصالون التجميل، بحثاً عن مفعول الزنبق الأبدي ولمعان الذهب في الحُلِيّ على بشرتها. هكذا يتراءى لك مشهد البنت المقبلة على صالون التجميل والحلاقة، فهل دائماً تصدق تأويلاتنا؟
في بلدي لم يعد صالون الحلاقة ملجأ القبيحات ليتجملن أو مأمن المرأة على هيأتها ومظهرها بل هو العالم الخاص الذي تسعى بنات الحي أو زائراته، إلى تأثيثه بكل التفاصيل التي يفتقدها العالم الخارجي.
الصالون التجميلي هو بمثابة صانع النساء الجامعات بين الحدّة واللّين. بين الجمال الفائق وعدم التصنّع. هو ملاذهن الآمن حيث لا يكون الجنس الآخر موجوداً فيه سوى على هيئة "خادم لجمالهن ومساهم في صنعه"، وهذا طبعاً عكس ما يحصل في العالم الخارجي، ممنوعات في المجتمع تُباح داخل الصّالون، وتصبح زائرات ذلك المكان سيّداته الأوليات حيث يتكلّمن في شؤون البيت والمجتمع، ويتبادلن الآراء عن كل شيء دونما استثناء.
هناك تحضر السياسة والاقتصاد، بدءاً من اقتصاد البيت ومصروف الأولاد وصولاً إلى سيولة البنك الوطني وشؤون الأمم المتحدة، على اعتبار أن الصالون يجمع كل شرائح النساء سواء على المستوى الاجتماعي أو العمري أو الفكري.
مقارنة جوفاء
برائحة البخور المشرقي وشذا الحلاوة حين تدفئها الحلّاقة على نار هادئة. صوت المقص وهو يتراقص على خصلات الشعر، ومساحيق التجميل حين ترتسم على خدودهن. هي تفاصيل تُسكر بنات حوّاء وتنسيهن فعل الزمن بهنّ.
"سحاب"، مالكة تونسيّة لمحلّ تجميل، تقول: "زائرات صالوني لم أشعر لوهلة بأنهن زبونات عابرات بل هن عبق هذا المكان الذي يرتِّب يومي منذ بدئه"، عبارات تعرّي حقيقة تلك العلاقات التي تتكون بتلك الأمكنة.
فالقبيحة ليست قبيحة ما لم يعاملها المجتمع على أنها تفتقر للجمال وتزور الصالون بحثاً عمّا افتقده المجتمع في ملامحها. والمرأة التي تسارع لإزالة الشعر من وجهها لم يولد معها ذلك الشعور بالانزعاج منه، إذ لم تُعامل على أنها كائن مسخ يغطيه الشعر، فتقصد "معبد النساء" لتتطهر من فعل الهرمونات بها.
وتقصد الصالون من خُلِقت بشعر مجعّد لترطيبه وتصفيفه، وفي الأغلب الأعم لا تفعل ذلك لأجل عيونها هي، بل لعيون كل من سيشاهدها غداً دون تقزز من فعل الرّيح بشعرها.
والحقيقة أن صالون الحلاقة ببلدي ليس ينبوع الجمال المتدفق، بقدر ما أنه مطلب غير معلن من مجتمع يأبى امرأة من دون "روتوش".
الصالون هو مأمن لبنات بلدي حيث يتشاركن فيه وصفات الحب السريّة، هناك تدبّر زيجات الحيّ، وتُهيّأ خطط التعامل مع الأزواج، في الصالون تولد أنبل مشاعر النساء وأصدقها. في عالم الجمال الروحي والجسدي، يُنشر غسيل الآلام حيث يتشاركن الأسرار. الصالون هو متْن النساء بعيداً عن هوامش العالم.
ولعلّ اعتبار هذا المكان في بلدي دليلاً على الفحش والانحلال، ظاهرة لا يمكن تعميمها على كل الصالونات، وإلا فيجب أن نصدّق أيضاً أن الجوامع أوكار للإرهابيين، وأن البارات.. مرتع الصعاليك.