لا تقف الإنجازات في ملف النفايات عند هذا الحدّ، بل استطاع الحراك، فرض إدخال مصطلحات جديدة للخطاب الرسمي اللبناني في ملف النفايات، وإعادة الاعتبار إلى حماية البيئة عند بحث ملف النفايات. لكن هذه النقاط لا تزال بحاجة إلى مزيد من القوننة "عبر إدخال بعض التعديلات على خطة الوزير أكرم شهيب، وإقرار الخطة المستدامة بقرار من مجلس الوزراء اللبناني، مثلما تم إقرار المرحلة الانتقالية"، يقول أحد الناشطين في حملة "طلعت ريحتكم".
ومن إنجازات الحراك، إعادة الأمل إلى شوارع بيروت، بعدما كادت تتحول إلى "صحراء سياسيّة"، وهو ما تُرجم بتأسيس عدد كبير من الحملات تحت عنوان الحراك الشعبي. كما تم وضع وزارة الداخليّة وأجهزتها الأمنيّة تحت المجهر. ومنذ عام 2005، رُبط كل العنف والملاحقات الأمنيّة غير القانونيّة التي قامت بها الأجهزة الأمنيّة في مرحلة الاحتلال السوري، بالجهاز الأمني اللبناني ــ السوري، الذي اعتبر فريق 14 آذار أنه سقط عام 2005. لكن الحراك أعاد التنبيه إلى أن العقليّة الأمنية لم تتغير، وهي لا تزال مستعدة لتجاوز القانون لو توفر الغطاء السياسي لذلك. كما أظهر هذا الحراك، أن أحزاب السلطة، لم تتخلَ عن ورقة استعمال "شارعها" في وجه التظاهرات، وهو ما يُعيد إلى الأذهان تظاهرة "السواطير" عام 2001. كما استطاع الحراك، إعادة الاعتبار إلى حق المواطنين في استعمال وسائل سلمية مختلفة في سبيل الوصول إلى حقوقهم، وأن غياب المساءلة عبر المؤسسات، يكون بديله المحاسبة الشعبية.
اقرأ أيضاً: حراك دبلوماسي غربي في لبنان: إيواء اللاجئين ومنع تهريبهم
لكن ما تحقق خلال هذا الشهر، قد لا يملك أثراً على المدى الطويل إذا لم تستطع المجموعات المشاركة في الحراك بلورة خطة عمل وتحرك "ذات نفس طويل". يُدرك ناشطون أساسيّون في حملة "طلعت ريحتكم"، هذا الأمر. ولذلك، بدأ هؤلاء في عمليّة "عصف ذهني" لوضع معالم المرحلة المقبلة. يُشير بعض الناشطين إلى أن هناك رغبة في التواصل مع شباب الجامعات، وعلى هذا الأساس، تم إنشاء صفحة مختصة بالجامعات عبر موقع "فيسبوك". لكن الأهم، مبادرة هؤلاء الناشطين إلى التواصل مع مجموعات شبابيّة من مختلف المناطق اللبنانيّة.
ومن التحديات البارزة التي تواجه الحراك، هو حملة "بدنا نحاسب"، التي فرضت نفسها شريكاً في هذه التحركات الشعبية. تملك هذه الحملة قدرة عالية على التنظيم وإدارة التحركات، كونها تمثل عدداً من الأحزاب، ومن أبرزها الحزب الشيوعي. لكن تكوينها الحزبي، يضعها في مرمى الاستهداف أيضاً. فهي مؤلفة من أحزاب، تدور في معظمها في فلك فريق الثامن من آذار. وقد عملت وسائل إعلاميّة، على "تعويم" هذه الحملة، بهدف وضعها في قيادة الحراك بدلاً من "صبية السفارات"، كما يُسمي بعض الصحافيين ناشطي حملة "طلعت ريحتكم".
لا يضع التكوين الحزبي الحملة وحدها في مرمى الاستهداف، بل يضع الحراك بنفسه في هذا المرمى. وقد أعلن وزير الداخليّة نهاد المشنوق، أن الشيوعيين وحدهم من يُطالب باستقالته، وفي اليوم التالي، خرج رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا الشماس، ليقول إن هذا الحراك، يُريد إحياء "الحرب الطبقية". تلقفت حملة "بدنا نحاسب" هذا الخطاب، ودخلت في إطار الردّ عليه، في تأكيد الطابع اليساري للتحركات، وهو أمر ليس دقيقاً.
الحراك الشعبي، وإن كان عدد مهم من المشاركين فيه ذوي جذور يساريّة، إلا أن عنوانه الأساسي كان ضرب الفساد المستشري في الإدارة اللبنانية، وما ينتج عنه من عدم حصول اللبنانيين على الحد الأدنى من الخدمات والحقوق وإعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية في البلاد. وهذا المطلب يُفترض أنه يجمع اليسار واليمين (إذا ما اعتمدنا هذا المصطلح)، ومختلف الفئات الشعبية في لبنان. وهذا المطلب الذي ترافق مع شعار "كلن يعني كلن" (والمقصود به فساد جميع مكونات السلطة) أحرج قوى السلطة، وجعلها ترتبك في المواجهة. من هنا، يقول عدد من الناشطين المستقلين إن بروز حملة "بدنا نحاسب" بشكلٍ كبير، أدى إلى إراحة السلطة، كون هذه الحملة أقرب إلى فريق سياسي، بعكس وضع حملة "طلعت ريحتكم".
في هذا السياق، يُشير أحد الناشطين، الذي حضر عدداً من اجتماعات التنسيق، إلى أن "هذه الاجتماعات تكشف حجم الخلافات بين المجموعات، بدلاً من التركيز على القواسم المشتركة، بينما يأتي قمع السلطة وممارستها بمفعول إيجابي للحراك"، بحسب هذا الناشط. ولذلك، فهو يدعو إلى أن يكون العمل الميداني، أهم من اجتماعات التنسيق التي لم تنتج أي شيء حتى اللحظة وصارت عبئاً على الحراك.
تكثر الآراء حول كيفيّة الاستمرار في هذا الحراك، لتحقيق مكاسب ذات أثر طويل، لكن ما يُجمع عليه "الناشطون المستقلون" ممن شارك عن كثب وتواصل مع مختلف الحملات، هو ضرورة إبقاء حملة "طلعت ريحتكم" في صدارة الحراك، لأن تنوعها يُحرج السلطة وقواها أكثر من أي مجموعة أخرى.
اقرأ أيضاً: أسبوع لبناني فاشل في النفايات وانعدام الثقة وقيادة الجيش