سلبية الأجواء السويدية تجاه اللاجئين الذين حضروا إلى البلاد منذ عام 2015، وفق ما ذكره عدد كبير ممن تحدثوا إلى "العربي الجديد" في أوبسالا واستوكهولم، تترافق مع تشدد أكبر في القوانين، بما يعكس تقدم اليمين المتشدد وانتهاج يسار الوسط سياسة غير مرحبة باللاجئين، وهو نهج دأبت السويد على اتباعه قبل نحو عقد من الزمن.
وما بات يستشعره اللاجئون الذين يقيمون منذ أعوام في كبريات المدن، مشابه لـ"نظرة سلبية في الأرياف البعيدة"، بحسب ما ذكرت السورية منتهى، المقيمة في ريف شمال محافظة أوبسالا. وقالت: "مراجعة السوشيال (البلدية والمتخصصين الاجتماعيين) باتت أمرا لا يطاق، نشعر بإحراج واختفاء حتى الابتسامة عن وجوه الموظفين، ويبدو أن بعض هؤلاء صاروا بعد الانتخابات الأخيرة (في 9 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث حقق اليمين المعادي للاجئين والمهاجرين نتيجة جيدة فيها) أكثر سلبية، بل يظهرون سلبيتهم من خلال طريقة الرد".
أما أم عبد الله، التي فقدت زوجها في الحرب السورية، فتحاول أن تؤمن سكنا قريبا من مدينة أوبسالا، التي تبعد نحو ساعة إلى الشمال من استوكهولم العاصمة، "ففي المدينة يعيش بعض الأقارب والمعارف، وسيسهل الانتقال التحاق أبنائي بالمدارس بدل التنقل اليومي لأكثر من ساعة ونصف الساعة بالحافلات". تشعر هذه السيدة بأن "الوعود التي قطعها لي الموظفون قبل أشهر يبدو أنها اليوم استبدلت بكلام ينم عن أن بعضهم ضاق ذرعا بسؤالي، بل أحد الموظفين قال لي بطريقة غير مباشرة إنه يمكنني العودة إلى تركيا إن لم أكن راضية".
الشكوى من سلبية الأجواء لا تتعلق فقط بمطالب محددة لدى اللاجئين، بل كما وصف عمر العبود، "بتنا نلحظ حالة تجهم غير معتادة حتى من سكان المنطقة الريفية التي أقيم فيها مع زميلين في سكن مؤقت". وتخفف إحدى الجمعيات الطوعية العاملة في أوبسالا منذ عقود عن هؤلاء الذين يتجهون إلى مقرها للالتقاء بأبناء بلدهم، وموظفين عربا مقيمين منذ عقود لمساعدتهم في اللغة وبعض الواجبات المدرسية والتواصل مع مؤسسات الدولة.
وفي السياق، ذكر الطالب الجامعي السوري ياسر منصور، أنه "خلال الانتخابات الماضية كنت أساعد أحد المرشحين العرب عبر توزيع مناشير دعائية تحمل اسمه وصورته، الغريب أن جاري الذي كنت أبتسم بوجهه وألقي عليه التحية، وكنت أظن أنه لا يفهم الإنكليزية لأنه لم يكن يرد، فجأة ثار غضبه وبدأ يخرج كلمات عنصرية ويطالبنا بالرحيل عن بلده".
تلك وغيرها من مشاعر لاجئين ولاجئات لا تعني أن الصورة العامة هي صورة سلبية في كل السويد، "فكلما كان الناس أقرب من مراكز البلديات التي تشهد مشاكل أكثر، وتناول الأخبار عن الجرائم والعنف، كلما كان المحيط أكثر سلبية وعدوانية"، وفقا لإبراهيم قصار. وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "مصلحة اليمين المتطرف تبقى دائما في إبراز السلبيات التي تصدر عن القلة لإلصاقها بالكل، وكثيرا ما نبهنا الناس في نشاطاتنا السورية إلى تصرفات اليمين حتى لا تنعكس علينا سلبا".
وبيّنت نتائج دراسة رسمية صدرت ونشرت نتائجها اليوم، الثلاثاء، أن أغلبية سويدية باتت ترى ضرورة وقف استقبال اللاجئين. وبحسب معدي الدراسة في معهد "سيفو" السويدي للاستطلاع، فإن الدراسة استمرت منذ 14 وحتى 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بمشاركة 1004 مواطنين من مختلف الخلفيات الحزبية، وأظهرت أن "53 في المائة من السويديين يريدون من السياسيين انتهاج سياسة صارمة تؤدي إلى استقبال أقل الأعداد من اللاجئين، رغم انخفاض نسبة القادمين بشكل كبير منذ 2015".
الدراسة المشار إليها، والتي نشرت نتائجها على صفحات صحيفة "سفنسكا داغبلاديت" واسعة الانتشار، أوضحت أن نسبة كبيرة من مؤيدي حزبي "الديمقراطي المسيحي" و"الاعتدال" في يمين الوسط يطالبون بوقف استقبال اللاجئين. وتجاوزت نسبة المطالبين لدى الحزب الأول بتشديد صارم لمنع دخول اللاجئين 84 في المائة، في حين أن ناخبي "الاعتدال" المطالبين بالتشدد بلغت نسبتهم 74 في المائة. ولم يتجاوز هذان الحزبان سوى مؤيدي الحزب اليميني المتطرف "ديمقراطيي السويد" بنسبة تصل إلى 98 في المائة، وهو أمر عده خبراء تحليل النتائج أمرا طبيعيا بحكم برامجه وسياساته "فيما التحولات الكبيرة لدى ناخبي يمين الوسط ترفع النسبة المتوسطة للشعب السويدي إلى 53 في المائة".
وفي الدراسة ذاتها يبدو أن "الليبراليين" باتت لديهم تحولات سلبية في هذا الاتجاه بنسبة 43 في المائة، إلى جانب أن يسار الوسط، والحزب "الاجتماعي الديمقراطي" سجل مؤيدوه نسبة لا بأس بها بواقع 33 في المائة من رافضي استقبال المزيد من اللاجئين، فيما أجابت نسبة 18 في المائة بـ"لا أعلم" و12 في المائة فقط أيدوا استقبال المزيد من اللاجئين.
أكبر نسبة مؤيدة لاستمرار السويد باستقابل اللاجئين سجلها حزب "مليوو"، وهو حزب الخضر الأقرب إلى اليسار، بواقع 46 في المائة مع استقبال المزيد، متجاوزا الحزب اليساري "فينسترا" الذي سجل ناخبوه 34 في المائة تأييدا لاستقبال المزيد من اللاجئين. أما حزب مودراترنا (الاعتدال)، الأكبر في ائتلاف يمين الوسط، فلم يسجل مؤيدو استقبال اللاجئين سوى نسبة 2 في المائة، وهي قريبة لنسبة "المسيحي الديمقراطي".
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة استوكهولم، جون نيهلين، في هذه النتائج "تراجعا عن الإيجابية السابقة". وبحسب الأرقام، فإن السويد تستقر عند نحو 21 ألف طالب لجوء سنويا منذ التدفق الكبير في 2015، إذ إنها استقبلت في ذلك العام نحو 163 ألف طالب لجوء. ويقرأ بعضهم في هذه النتائج "انعكاسا للانقسامات التي تعيشها السويد، وخصوصا في يسار الوسط، وعجز السياسيين عن تشكيل حكومة بعد 100 يوم من الانتخابات السابقة"، ما يؤكده أيضا نيهلين اليوم في تعقيبه على النتائج.