شكراً كورونا

29 ابريل 2020
"الجائحة أنقذت البيئة من بطش البشر" (فيليب كليمان/ Getty)
+ الخط -

سبقني من صدم القرّاء بفكرة أنّه من الممكن أن تكون ثمّة فوائد لفيروس كورونا. ولن تزول الصدمة إلا بإدراك المغزى.

في عام 2005، توقّفت أطول حروب القارة الأفريقية في جنوب السودان. وكان علينا كـ"مهتمّين بالشأن البيئي" أن نجوب المناطق المتأثّرة لمعاينة الأثر البيئي للحرب، فهالنا ما شهدنا في منطقة الكدال الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي من ولاية النيل الأزرق. وجدنا أنّ الطبيعة قد تعافت، فالغابات تتشابك بعدما توقّفت عمليات القطع العشوائي والمنظّم، تارة للاتجار في الخشب وتارة أخرى لإقامة مشاريع لا تقوم بعد استنفاد الغرض الأساس بامتلاك الأرض والحصول على أطنان الأخشاب النادرة. وما إن اندلعت الحرب حتى سكت صرير المناشير مُفسحاً المجال للعلعة الرصاص.

يومها كتبت متسائلاً: هل الحرب كلّها نقمة، أم أنّ فيها نعمة على البيئة حين تفلح في وقف نشاط البشر الأقوى من قدرات الطبيعة على استعادة توازنها؟

واليوم، يقف الأمين العام لخبراء البيئة العرب ليعلن أنّ "جائحة كورونا تسبّبت في أضرار كثيرة، لكنّها أنقذت البيئة من بطش البشر". وتشير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إلى نقاء مدينة البندقيّة الإيطالية وانخفاض تلوّث الهواء في بكين بسبب تراجع النشاط البشري.

أمّا مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، فتكشف أنّ فيروس كورونا أنقذ كوكب الأرض بعدما أوشكت كارثة أن تحلّ به بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن دخان المصانع وعوادم السيارات والطائرات واعتداء الإنسان على البيئة. وتوضح أنّ الأرض تنفّست بشكل كبير بعدما توقّفت الحركة في معظم دول العالم، خصوصاً الصناعية منها، وأنّ ثقب الأوزون قد التأم فوق القارة القطبية الجنوبية، وأنّ الهواء تحسّن في 337 مدينة في العالم.

ويذكر خبراء أنّه بتوقف النزاعات في مناطق عدّة، عادت الحيوانات التي هدّدتها أفعال البشر بالانقراض إلى التكاثر والتوالد. ويمضي آخرون إلى أنّ قطر ثقب الأوزون قد صغُر، الأمر الذي فشلت فيه جهود الأمم لسنوات صُرفت في خلالها ملايين الدولارات في المؤتمرات والدراسات وبرامج التوعية.

على مستوى البيئة الاجتماعية، أحدثت إجراءات العزل الصحي انقلاباً كبيراً في حياة الأسر، وفي حياة الأفراد الذين عادوا للتأمل في حيواتهم، وفي إدارة حياة البشر وما يكتنفها من تضارب مصالح، وفي نظام هذا الكون الدقيق الذي خرقنا أنظمته في استعلاء وادّعاء للمعرفة، لتجيء لطمة الفواق من فيروس ضئيل لا يُرى بالعين المجردة لكنّه استطاع أن يخلخل أعتى الأنظمة البشرية.



"الإنسان الذي يغالي في صنع ما يجلب له الراحة يُعمل عقله متحرّكاً بين الخيارات والاحتمالات، فيصيبه ما يصيبه، لكنّه يتعلم من أخطائه ويتقدم إلى الأمام. وهذا ترفٌ لا يتوفّر لسواه من المخلوقات"، بحسب ما يورد السفير عبد المنعم البيتي، تعليقاً على مقال "كورونا وبيان الضعف" المنشور قبل أيّام في "العربي الجديد"، مؤكداً أنّه "بالعقل قويت عند الإنسان أوهام الإرادة المستقلة عن إرادة الله، بخلاف الحيوان الذي تحكمه غريزة الحياة".

فهل يجعلنا درس كورونا أكثر رحمة ببيئتنا؟

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون