شركة للحرس الثوري الإيراني تواجه أوقاتاً صعبة: منافسة أجنبية

27 مايو 2016
الرئيس الإيراني حسن روحاني (الأناضول)
+ الخط -
اعتادت شركة "خاتم الأنبياء" للبناء، أكبر شركة في قطاع الإنشاءات في إيران، منذ فترة طويلة على الفوز بتعاقدات مربحة من الدولة، لكنها أصبحت تواجه الآن أوقاتاً صعبة بعدما بدأت تنافسها شركات أجنبية أكثر قدرة على جذب التمويل، في وقت يحاول فيه الاقتصاد الإيراني الانفتاح على العالم الخارجي بعد سنوات من العقوبات.

ويعد ما حل بالشركة من مشاكل عنصراً جديداً غير مرغوب فيه لدى مالكها الحرس الثوري، الذي أنشأه روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأصبح له نفوذ اقتصادي بعد الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

وأصبحت الشركة الضخمة تهيمن على قطاع البناء في عهد الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، بين عامي 2005 و2013، وفازت بعقود بمليارات الدولارات من الدولة شملت منشآت للنفط والغاز ومد الطرق وبناء السدود.

ولم يتردد الحرس الثوري في إبداء استيائه على الملأ.

ونقلت وكالة "تسنيم" للأنباء عن محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، قوله في مارس/آذار الماضي، إن "الحرس الثوري الإسلامي لديه إمكانيات هائلة في مجالات البناء. ومن المؤسف أن الحكومة لم ترحب بما اقترحه (من مشروعات) وبأنشطته".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس شركة خاتم الأنبياء، عباد الله عبد الله، الذي يرتدي في كثير من الأحيان الزي العسكري باعتباره من قادة الحرس، إن عدد من يعملون في مشروعات الشركة يبلغ مليون شخص.

لكن مسؤولين تنفيذيين في صناعة البناء ومحللين يقولون إن هيمنة الشركة على القطاع ستتبدد على الأرجح مع وضع حكومة الرئيس، حسن روحاني، الخطط لمشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية لإنعاش الاقتصاد، بعد رفع العقوبات الدولية، التي كانت سارية على إيران بسبب برنامجها النووي.

وبدلاً من اللجوء إلى شركة "خاتم الأنبياء"، بدأت الحكومة تتجه إلى الشركات الأجنبية لبحث العقود والمشاريع لأسباب من بينها أنها تريد دعماً مالياً من الخارج في ظل الميزانية المقيدة بانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وما لحق بالبلاد من أضرار بسبب العقوبات.

وقال الاقتصادي المقيم في طهران، سعيد ليلاز، إن "إيران تمر بواحدة من أسوأ الفترات المالية في تاريخها. فالحكومة ليس لديها المال، كما أن شركة "خاتم الأنبياء"، وغيرها من شركات المقاولات، ليست لديها موارد مالية، لذلك، فإن الأولوية لدى الحكومة في مشاريع البناء هي إيجاد مصادر تمويل أجنبية".

عقود

وقالت شركة "دايو" للهندسة والبناء الكورية الجنوبية، في وقت سابق من الشهر الجاري، إنها توصلت إلى اتفاق أولي مع إيران لترتيب تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار للقطاع من طريق سريع يربط طهران ببحر قزوين.

وكانت شركة "خاتم الأنبياء" قد أبدت اهتمامها بهذا المشروع، لكن وكالة "تسنيم" للأنباء، التي تربطها صلات وثيقة بالحرس الثوري، قالت إنها لم تعرض سوى 40% من التمويل المطلوب.

وقال مصدر صيني مطلع على سير المفاوضات إن الشركة الوطنية لمعدات النقل والهندسة الصينية توشك على الاتفاق مع طهران، على مشروع للسكك الحديدية باستثمارات قدرها ثلاثة مليارات دولار لربط العاصمة طهران بمدينة مشهد في شمال شرق إيران.


وكانت شركة "خاتم الأنبياء" قد أبدت اهتمامها أيضا بهذا المشروع.

وقالت مصادر إن شركة صينية أخرى هي مجموعة داليان لصناعة بناء السفن تتباحث بشأن اقتراح لبناء سفن للحاويات وناقلات نفط لحساب إيران بنحو 12 مليار دولار. وإذا فازت داليان بهذه العقود، فسيكون ذلك على حساب شركة إيران الصناعية البحرية التي تملك حصة الغالبية فيها شركة "خاتم الأنبياء".

وقال رجل أعمال يعمل في قطاع النفط والغاز، وله صلات مباشرة بمسؤولين إيرانيين كبار، إن "خاتم الأنبياء" اقترحت، منذ فبراير/شباط الماضي، المشاركة في أكثر عشرة مشاريع ضخمة، لكن الحكومة لم توافق على أي منها.

ويبدو أن هناك عدة عوامل وراء إبعاد شركة "خاتم الأنبياء"، منها أن الشركات الصينية والكورية يمكنها الاستعانة بالدعم المالي من البلدين، اللذين يتمتعان بسيولة كبيرة لدى مؤسسات دعم الصادرات والبنوك فيهما.

ومن العوامل أيضاً، أنه في حين ازدهرت الشركات المرتبطة بالدولة مثل "خاتم الأنبياء" خلال سنوات العقوبات، قال مسؤولون في إدارة روحاني إنهم يريدون بناء اقتصاد قوي أكثر كفاءة في عصر ما بعد العقوبات، وذلك بتقوية دور قوى السوق والقطاع الخاص.

وقال ليلاز إن "خاتم الأنبياء لديها قوة هندسية وتقنية هائلة، لكنها لا تتمتع بالكفاءة. سيتقلص حجمها تحت ضغوط المنافسة".

وربما يكون للسياسة دور أيضاً، فالحرس الثوري متحالف مع مراكز مصالح للمحافظين، الذين يعارضون صعود روحاني الليبرالي نسبيا للسلطة. وربما، لا تجد إدارته سببا يذكر يدعوها إلى دعم المصالح التجارية للحرس الثوري.

وحتى بعد رفع معظم العقوبات عن إيران، ما زالت بعض العقوبات تؤرق شركة "خاتم الأنبياء" بسبب الصلات التي تربطها بالحرس الثوري ومشاركتها في مشاريع مثل تطوير الصواريخ.

وستظل الشركة على قائمة للكيانات الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي لمدة سبع سنوات، وقائمة أميركية للعقوبات إلى أجل غير مسمى.

وقال خبراء في العقوبات إن هذا لن يمنع كل الشركات الأجنبية من إبرام تعاملات مع شركة "خاتم الأنبياء"، لكنه سيجعلها تفكر بكل حرص في مخاطر التعامل مع كيان أصوله مجمدة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

شكاوى

وقالت مصادر في صناعة البناء إن الشركة أبدت في لقاءات غير رسمية بالمسؤولين الحكوميين احتجاجات على استبعادها من التعاقدات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستحقق نجاحا كبيرا بهذه الاحتجاجات. كما اشتكى الحرس الثوري وتنفيذيون في شركة "خاتم الأنبياء"، علنا، من المشاكل التي تعاني منها الشركة.

وقد قالت الشركة مرارا إنه ليس لديها أية مشكلة في العمل مع الشركات الأجنبية، وإنها بدأت محادثات بشأن التعاون مع بعض الشركات الآسيوية والأوروبية.

وسيخضع ما سيؤول إليه حال الشركة لاختبار في وقت لاحق من العام الجاري، عندما يتوقع أن تنشر وزارة النفط شروط التعاقدات الجديدة للمستثمرين الأجانب في صناعة الطاقة.

فمن المتوقع أن تدرج الوزارة الشركات التابعة لـ"خاتم الأنبياء" كشركاء محتملين، تنطبق عليهم الشروط للشركات الأجنبية. وسيتعين على الشركات الأجنبية أن تقرر ما إذا كانت ترغب في الابتعاد عن هذه الشركات بسبب المخاطر القانونية المرتبطة بالعقوبات.

وقال رضا مصطفوي طباطبائي، محلل النفط في لندن، الذي عمل من قبل في مشاريع في إيران، إنه سيكون من الخطأ أن تستبعد الحكومة الإيرانية أو الشركات الأجنبية شركة "خاتم الأنبياء".

وأضاف: "على الطرفين معا أن يقبلا شركة "خاتم الأنبياء" كحقيقة واقعة في الاقتصاد الإيراني. ففي قطاع المنبع في صناعة النفط، لا توجد شركات كثيرة تملك ما لشركة "خاتم الأنبياء" من قوة تقنية ولوجستية. والحكومات تأتي وتروح، لكن "خاتم الأنبياء" باقية".

المساهمون