شرطي طائفي

10 فبراير 2015
هل يثق المواطن أساساً برجل الأمن؟ (فرانس برس)
+ الخط -

تقف المرأة الشقراء مرتبكة بعض الشيء، لكنّها في الوقت عينه حازمة. فهي تحمل في يدها سلاحاً هو رذاذ الفلفل. وفي عقلها مهمة رسمية أوكلت إليها، بمنع السجين المكبّل بنافذة في الشارع، من فكّ أصفاده والهرب.

المهمة أوكلها إليها ضابط أمن عرّفها عن نفسه على عجل، وسلّمها عبوة الرذاذ. وقال لها إنّه سيحضر الشرطة خلال لحظات، وما عليها إلاّ أن تنتبه للسجين إلى حين عودته سريعاً مع الدعم.

يحاول السجين فك الأصفاد باستخدام دبوس ما. فتحذره في البداية. لا يمتثل ويكمل خطته. لكن في اللحظة نفسها التي ينجح فيها بفك الأصفاد، تعاجله برشة من الرذاذ تجعله يتلوى من الألم أرضاً. ليظهر رجل الأمن مجدداً، ويخبرها أنّ الأمر مجرد تمثيل في تمثيل، وأنّ العبوة ليس فيها أكثر من ماء.

المشهد من برنامج بريطاني يعرض على قناة "ديسكوفري ساينس" بعنوان "ذا مايند كونترول فريكس"، أو ما تترجمه قناتها العربية باسم "مهووسي التحكّم بالعقل". وهو برنامج يختبر فيه أربعة خبراء نفسيين تقنياتهم المميّزة على مواطنين عاديين من الشارع.

التقنية السابقة طبّقها الخبراء على أربعة أشخاص، هم امرأتان وشابان. ومن بينهم شاب وامرأة يبدوان من أصول مهاجرة. وتوصلوا من خلالها إلى نتيجة أنّ إعطاء السلطة لشخص ما كائناً مَن كان من طرف سيادي موثوق به (الزي العسكري الرسمي)، سيؤمّن للشخص شحنة من الإحساس بالمسؤولية والواجب اللازمة للتحرك وفق أهداف المهمة التي وافق مسبقاً على تأديتها. كما علم جيداً أنّ تأديته لها ستكون "قانونية"، أيّ أنّ أيّ عواقب لن تقع عليه من جراء تنفيذه لها على أكمل وجه.

إذاً ينطلق المواطنون من القانون والواجب والمواطنة. فماذا لو طبّقنا مثل هذا الاختبار في شارع عربي؟ في أحد شوارع لبنان على سبيل المثال؟

هل سيتولى المواطن المهمة ويتصرف على أساس القانون والواجب؟ في البداية، هل يعرف المواطن حقوقه وواجباته؟ وهل الدولة تقدم له حقوقه بالكامل وتعامله على هذا الأساس؟ هل يثق المواطن أساساً برجل الأمن، أو حتى بالشرطي (الدركي)؟ هل الدولة بكلّ هياكلها، من رؤسائها ووزرائها ومسؤوليها الأمنيين والمدنيين، وصولاً إلى جابي الكهرباء، تعتبر صاحبة مصداقية؟

إذا كان هنالك جدل على كلّ ذلك وأكثر، فما الذي سيقوم به المواطن الموكل بالمهمة تجاه "سجينه"؟ هنالك اقتراحات كثيرة، ومنها بالتأكيد ما يأخذ البعد الطائفي. فالطائفية تغلب المواطنة. واللبناني خبير بمعرفة طائفة "شقيقه" اللبناني من النظرة الأولى أحياناً. فربما يساعده إن كان من طائفته. وربما يمنعه إن كان من خارجها.
دلالات