شجرة العائلة

17 مايو 2017
... وتلك العائلة التي تكتنفنا، لا تعتقنا (غلاس شي)
+ الخط -

قد تكون تلك واحدة من أكثر المرّات التي شعرتْ خلالها بحماسة غامرة. حينها، كانت تبلغ السادسة من عمرها، لا بل كانت تقترب من السابعة. وتذكر حماستها تلك وهي تنتظر إضافة صورة أخيها الصغير المولود حديثاً إلى شجرة العائلة.

على أحد رفوف غرفة المعيشة، كانت تُعرَض شجرة العائلة المعدنيّة تلك. ومن أغصانها كانت تتدلّى إطارات صغيرة مزخرفة على شكل أوراق شجر، وُضعت في كلّ واحد منها صورة فرد من أفراد العائلة. في الأسفل، الجدّ والجدّة والوالد والوالدة وكذلك العمّ والعمّتان، قبل أن تأتي صورتها وصورة أخيها الأوسط. يبقى أن يُضاف الصغير إلى الغصن الأعلى.

تراقب والدها وهو يقصّ صورة آخر العنقود لوضعها في إطارها الخاص. كانت خلفيّة تلك الإطارات الصغيرة حمراء مخمليّة الملمس. ما زالت تذكر ذلك. في النهاية، أُنجزت المهمّة. اكتملت أوراق شجرة العائلة. بدا الأمر محسوماً بالنسبة إليها.

***

العائلة. ندركها مذ نبصر النور.. ندركها بالفطرة. فنحن من صلبها. وتلك العائلة التي تكتنفنا، لا تعتقنا. استنتاج ندركه في وقت لاحق من حياتنا، لا بل في أوقات كثيرة لاحقة. ندرك ذلك بالخبرة. نكتسب الخبرات ونكدّسها ونسلّم أكثر فأكثر بأنّ تلك الوحدة الاجتماعيّة تطبق على أنفاسنا. ليس في الأمر مذمّة. هو توصيف يحتمل إمّا تأويلاً إيجابيّاً وإمّا تأويلاً سلبيّاً، وفقاً لمُعاش الفرد منّا في كنف تلك الوحدة الاجتماعيّة.

العائلة. هي رابطة الدم أو صلة الرحم التي تحكمنا وقد فُرِضَت علينا. من جديد، ليس في الأمر مذمّة. تحكمنا وتُفرَض علينا مع كلّ ما يستتبع ذلك من التزام وتورّط وهناء ومشكلات، وما إليها من إيجابيّات وسلبيّات. في أحيان كثيرة، طبيعتنا البشريّة تميل أكثر إلى إبصار السلبيّات. وهذا أمر لا يرتبط بالعائلة فحسب. فنرى أنفسنا نبحث عن بدائل. ننادي بأنّ العائلة ليست رابطة دم أو صلة رحم فحسب. ونختار أفراداً من عائلات أخرى، نحمّلهم إسقاطاتنا. ونؤلّف عائلة جديدة ننتقي أفرادها بأنفسنا، قد لا تكون إلا من نسج خيالنا وأوهامنا. في أوقات أخرى، قد نختار عائلات جاهزة نراها سعيدة أو يُخيَّل إلينا ذلك، ونحشر أنفسنا وسطها. نَسعد بانتمائنا إليها. هل ننتمي حقاً؟ ونعيد تفسير الانتماء، في حين نشير بشيء من الفكاهة المُرّة إلى عائلة بيولوجيّة وأخرى تبنّتنا أو نحن تبنّيناها.

***

ما زالت تلك الشجرة المعدنيّة الصغيرة معروضة في منزل العائلة. لم يُضَف إليها أيّ إطار جديد. بقيت هناك، كما تركتها الصغيرة قبل سنوات طويلة، إنّما على رفّ آخر وفي غرفة أخرى. في ذلك الزمن، لم يكن الخامس عشر من مايو/أيّار حصراً، يوماً عالميّاً للعائلة.


دلالات
المساهمون