كلما مررت بشجرة دوم، طافت في ذاكرتي، رحلة منتصف العام 2000 بصحبة الباحث الفولكلوري المرموق، الطيب محمد الطيب (1940-2007)، إلى مدينة ود مدني (وسط السودان) لتقديم ندوة حول البيئة والتراث بفرع الجمعية السودانية لحماية البيئة هناك. يومها، قال لي إنّ هذه الشجرة مباركة. وباغتني بالسؤال: "هل تعلم أنّك الآن تحمل أثراً منها؟" ثم أشار ضاحكاً إلى أزرار قميصي. وحدثني أنّ شركة يونانية "شكر غلو" وشركة أخرى، عملتا في النصف الأول من القرن الماضي في تصنيع الأزرار من شجر الدوم في كلّ من كسلا وعطبرة، حيث الوفرة في أشجار الدوم.
الدوم شجرة صلبة مقاومة للجفاف والتصحّر، قوية في أشد الظروف قسوة، إذ تنمو في المناطق الجافة وشديدة الحرارة، وقرب مجاري الوديان الموسمية، وبين الجبال. ويكثر وجودها في شمال وشرق السودان، ومناطق النوبة حتى جنوب مصر، حيث وجدت كميات من ثمارها الجافة في قبور الفراعنة، الأمر الذي يؤكد تعدّد وتنوّع استخداماتها، وكانت تسمى في اللغة الفرعونية "ماما إن خنت".
تتجلى مزايا الدوم في أنّها تصلح للاستخدام باكراً، وأوراقها اللدنة (السعف) تستخدم علفاً للحيوانات، وتُقطف لتُصنع منها السلال، وتُفتل منها الحبال المقاومة للظروف الطبيعية، ويُصنع من ساقها حين تشبّ الأثاث وسقوف المنازل. ويؤكل الجزء الخارجي من ثمارها رطباً وجافاً، وتصنع من المادة الإسفنجية نفسها حين تجفّ، بودرة تستخدم عصيراً حلو المذاق، كما لعلاج أمراض عدة. وتُصنع منها معاجين الأسنان وبعض الدهانات والأصباغ. ومن نواتها الصلبة يُستخرج البعو، وهو في حجم كرة التنس، يأكله الأطفال بعد نقعه في الماء، وأحياناً الماء المسكَّر، وهو الذي تُصنع منه الأزرار.
يؤكد كبار السن أنّه كان يؤتى بثمار الدوم ضمن أغراض العروس (الشيلة)، لمعرفتهم بفوائدها الجمّة في تنظيف الفم وتلطيف رائحته، إلى جانب ما أثبتته الدراسات والأبحاث لاحقاً حول فوائدها الصحية المتمثلة في تنظيم ضغط الدم، وتعديل الهرمونات الجنسية، كما أنّها غنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة، والعناصر الغذائية الهامة.
اقــرأ أيضاً
خبير الغابات، البروفيسور طلعت دفع الله، يؤكد أنّ "الدوم شجرة مظلومة، إذ لم تحظَ بمشاريع الاستزراع، ولا بالدراسات الكافية، بالرغم من أحقيتها بذلك. فالتاريخ يقول إنّها ساهمت في بناء حضارتي النوبة، والبجا، في شرق السودان وعبر الحدود. وحتى الآن يذخر سوق الدامر الأسبوعي بمنتجات الدوم من ثمار وأخشاب بناء، ومشغولات يدوية، ومصنوعات غذائية ودوائية". يتابع: "هناك بالفعل انحسار للدوم سببه إهمال الجهات المسؤولة في المقام الأول، وتمدد الزراعة الآلية، وانتشار المصنوعات البلاستيكية وتدنّي أسعارها".
ولأنّ شجرة الدوم من الأشجار التي لا تكلف زراعتها ورعايتها كثيراً، فالأولى أن نعمل على إعادة توطينها، في مناطقها ومناطق أخرى تصلح لنموها، حتى ننعم بعطائها الثري.
*متخصص في شؤون البيئة
الدوم شجرة صلبة مقاومة للجفاف والتصحّر، قوية في أشد الظروف قسوة، إذ تنمو في المناطق الجافة وشديدة الحرارة، وقرب مجاري الوديان الموسمية، وبين الجبال. ويكثر وجودها في شمال وشرق السودان، ومناطق النوبة حتى جنوب مصر، حيث وجدت كميات من ثمارها الجافة في قبور الفراعنة، الأمر الذي يؤكد تعدّد وتنوّع استخداماتها، وكانت تسمى في اللغة الفرعونية "ماما إن خنت".
تتجلى مزايا الدوم في أنّها تصلح للاستخدام باكراً، وأوراقها اللدنة (السعف) تستخدم علفاً للحيوانات، وتُقطف لتُصنع منها السلال، وتُفتل منها الحبال المقاومة للظروف الطبيعية، ويُصنع من ساقها حين تشبّ الأثاث وسقوف المنازل. ويؤكل الجزء الخارجي من ثمارها رطباً وجافاً، وتصنع من المادة الإسفنجية نفسها حين تجفّ، بودرة تستخدم عصيراً حلو المذاق، كما لعلاج أمراض عدة. وتُصنع منها معاجين الأسنان وبعض الدهانات والأصباغ. ومن نواتها الصلبة يُستخرج البعو، وهو في حجم كرة التنس، يأكله الأطفال بعد نقعه في الماء، وأحياناً الماء المسكَّر، وهو الذي تُصنع منه الأزرار.
يؤكد كبار السن أنّه كان يؤتى بثمار الدوم ضمن أغراض العروس (الشيلة)، لمعرفتهم بفوائدها الجمّة في تنظيف الفم وتلطيف رائحته، إلى جانب ما أثبتته الدراسات والأبحاث لاحقاً حول فوائدها الصحية المتمثلة في تنظيم ضغط الدم، وتعديل الهرمونات الجنسية، كما أنّها غنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة، والعناصر الغذائية الهامة.
خبير الغابات، البروفيسور طلعت دفع الله، يؤكد أنّ "الدوم شجرة مظلومة، إذ لم تحظَ بمشاريع الاستزراع، ولا بالدراسات الكافية، بالرغم من أحقيتها بذلك. فالتاريخ يقول إنّها ساهمت في بناء حضارتي النوبة، والبجا، في شرق السودان وعبر الحدود. وحتى الآن يذخر سوق الدامر الأسبوعي بمنتجات الدوم من ثمار وأخشاب بناء، ومشغولات يدوية، ومصنوعات غذائية ودوائية". يتابع: "هناك بالفعل انحسار للدوم سببه إهمال الجهات المسؤولة في المقام الأول، وتمدد الزراعة الآلية، وانتشار المصنوعات البلاستيكية وتدنّي أسعارها".
ولأنّ شجرة الدوم من الأشجار التي لا تكلف زراعتها ورعايتها كثيراً، فالأولى أن نعمل على إعادة توطينها، في مناطقها ومناطق أخرى تصلح لنموها، حتى ننعم بعطائها الثري.
*متخصص في شؤون البيئة