شاهد جبان في محكمة

06 يوليو 2014
مصطفى الحلاج / فلسطين
+ الخط -

المشهد هو الآتي: مثقفون فشلوا في حماية المشروع الوطني، ثم فشلوا لاحقاً مع فشل خيار التسوية، وها هم يتصارعون على الملأ بين من يريد انتفاضة ثالثة، ومن يحاربها، بحيث تحوّل القضية إلى صراع بين خياراتهم التي تعيش شيخوختها.

إن التجربة الفلسطينية في "الانتفاضة الثانية"، إضافة إلى تجارب الربيع العربي مؤخراً، جعلت الشعب الفلسطيني يحسب حساباته جيداً قبل الدخول في مواجهة مباشرة مع الاحتلال، وهذا مؤشر على بداية لوعيٍ وطني جديد، قائم على إدراك مكامن قوته وضعفه. لذا نلمس ميلاً في الشارع نحو استعادة "الانتفاضة الأولى" بأدواتها وأساليبها الشعبية، دون اهتمام بما يقوله هؤلاء الذين يحالون إثبات البراءة، فطرف يريد التطهر من الماضي والدخول في ركب التغيير الجذري، وطرف يريد بقاء الحال على ما هو، لأنه وحده الصواب.

سيُحسب سجال المثقفين، سواء في مواقفهم الباردة أو المتحمّسة، تخاذلاً من قبل الوعي الجديد الذي بدأ يظهر في الشارع الفلسطيني، والذي يسير نحو تشكيل أطره وأفكاره، بعيداً عن ثقافة التسوية، وتصارع المثقفين التقليديين.

إن "الانتفاضة الثالثة" حدثت بالفعل، دون أن يصدّق أحد من القيادات الفلسطينية ذلك، ودون أن يستطيعوا استثمارها. ولعل خريطة المواجهات الممتدة من القدس وضواحيها، مروراً بمدن المثلث في الوسط، وصولاً إلى الناصرة، تقول لنا، خصوصاً أن المواجهات حدثت في المناطق التي على تماس مباشر مع الاحتلال، والتي تخضع مباشرة إلى حكمه وقوانينه؛ إن هذا الوعي الجديد هو ما يجعل فلسطين الممزقة جسداً واحداً، في حين أن سجالات المثقفين، في حالتي "مع" و"ضد"، تقرأ كل ذلك من منظور رام الله فقط.

تكاد الثقافة تقف وقفة الشاهد الجبان في قاعة المحكمة، بين من ينتظر من يحميها من المتغيرات الجديدة، ومن ينتظر صدور الحكم للشماتة بمحمود عباس أو إسماعيل هنية، أو حتّى بالشباب المنتفضين. هكذا ببساطة تُخلط الأوراق ويصبح للثقافة الفلسطينية ثلاثة أعداء في نظر "المثقفين". الاحتلال بالطبع ليس واحداً منها!

نابلس / فلسطين 

المساهمون