قبيل إحياء الذكرى السابعة لمذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، صعدت روح أحد شهود الدم والمُنكل بهم، بسبب هذه المذبحة، إلى بارئها، الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة صباح أمس الخميس جراء أزمة طبية من أزمات متعددة ومتتالية لحقت به على مدى السنوات الخمس الأخيرة، وهو نزيل في سجن ملحق مزرعة طره، بصحبة كبار قيادات الجماعة، محرومين من الرعاية الطبية والنفسية والإنسانية، يواجهون قراراً سيادياً وسياسياً لا رجعة فيه بتركهم في محبسهم حتى الممات، كما حدث مع العشرات من قيادات الجماعة بعد انقلاب يوليو/تموز 2013.
فلا يمكن توصيف حوادث الوفاة التي تضرب صفوف الإخوان في السجون إلا كنتيجة مباشرة لذلك القرار السياسي، الذي راح ضحيته من قبل المرشد العام السابق للجماعة محمد مهدي عاكف في سبتمبر/أيلول 2017 والرئيس الشرعي المعزول محمد مرسي في يونيو/حزيران 2019 وغيرهما، ممن لاقوا إهمالاً طبياً متعمداً، بما لا يتناسب مع أعمارهم وسجلاتهم الصحية، وتواطؤ من القضاء برفض طلبات دفاعهم وشكاواهم المتكررة من سوء الرعاية والغذاء والحرمان من الالتقاء بذويهم، وصولاً لرفض إخلاء سبيل الحالات الصحية الحرجة منهم، كما لاقوا بعد وفاتهم إجحافاً برفض تشييع جنازاتهم والتضييق على ذويهم وملاحقتهم، فمازال تعامل السلطات مع جثمان مرسي تحديداً شاخصاً كنموذج للقمع دون حدود، عندما عمدت، السلطات، إلى رفض تسليم الجثمان إلى أسرته لدفنه في مقابر العائلة بقرية العدوة بمحافظة الشرقية، وبعدها طُلب من الأسرة تحديد أي مكان آخر للدفن، فتم اقتراح دفنه في مقابر الوفاء والأمل بمدينة نصر، التي دفن فيها عدد من مرشدي جماعة الإخوان سابقاً، ليقتصر عدد من حضروا الغُسل و الجنازة على 13 شخصاً فقط.
دفع العريان حياته ثمن تمسكه بأفكاره السياسية ومبادئه، وقطعت وفاته الطريق على جلاديه الذين كانوا ينوون له تنكيلاً أقسى بسبب دوره في اعتصام رابعة تحديداً، فهو واحد ممن أصدر قضاء النظام حكمه بإعدامهم حضورياً في قضية فض اعتصام رابعة، في سبتمبر/أيلول 2018، رفقة محمد البلتاجي وصفوت حجازي و72 آخرين جلهم من غير المقبوض عليهم على ذمة هذه القضية تحديداً، وطعن العريان، لكن محكمة النقض لم تبت في القضية حتى الآن.
كما سبق وأدين العريان بعدة أحكام بالسجن المؤبد في قضايا أخرى أبرزها: قضية اقتحام الحدود الشرقية، وأحداث قطع طريق قليوب، وأحداث شارع البحر الأعظم بالجيزة، علماً بأن القضيتين الأخيرتين تزامنتا مع قضية رابعة، مما يعني تكرار معاقبته على أفعال بعينها بالمخالفة للدستور والقانون.
ونظراً لأهمية العريان في هيكل الجماعة كشخصية لها ثقلها الإعلامي والسياسي أمام الرأي العام وبين القوى الأخرى، والدور الكبير الذي كان يقوم به في العامين التاليين لثورة يناير/كانون ثان 2011، كان اهتمام السلطة بالتنكيل بالعريان والبلتاجي ملحوظاً منذ اليوم الأول لاعتقاله، حيث أودع سجن مزرعة طره ثم نقل إلى ملحقه ليقيم في محبس انفرادي معظم سنواته الأخيرة، الأمر الذي دفعه أكثر من مرة للإضراب عن الطعام وإبلاغ الدوائر القضائية التي تحاكمه باحتجاجه على سوء أوضاعه الإنسانية، ومنها إضراب بارز شاركه فيه اثنان من المحبوسين، في مارس/آذار 2018، لكن أحداً لم يحرك ساكناً، فقرار الجهة الأعلى بالإهمال حتى الموت كان قد صدر بالفعل.
وفي مارس/ آذار 2018، كشفت ابنة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ضحى محمد بديع، بعض تفاصيل التعنت والتعسف والقتل العمد في سجن ملحق مزرعة طرة، حيث يمكث والدها والعريان، فذكرت أنه "تم تجريد الزنازين الخاوية من كل شيء، فلم يجدوا ما يأخذونه. فتم سحب الأغطية من والدي، وهو ينام على الأرض منذ أكثر من عام، والآن ينام بدون أغطية. وتم سحب الكرسي الوحيد في الزنزانة، فوالدي الذي يبلغ من العمر 74 عاماً يعاني من تآكل في الغضاريف وكسر قديم في العمود الفقري، ولا يستطيع الجلوس على الأرض ولا النهوض منها إلا بالاستناد على هذا الكرسي، ولا يستطيع السجود أو حتى الركوع، فكان يصلي على هذا الكرسي، حتى الكرسي سحبوه".
وأضافت "تمّ غلق الكانتين والكافيتريا، فلا يوجد أي طعام سوى الأكل الميري، وجميعنا يعلم مدى رداءة الأكل الميري، فهو طعام حتى لا يرتقي لطعام الحيوانات، وليته يقدم بطريقة آدمية، على العكس، ضباط الأمن الوطني يقدمونه بطريقة مهينة وغير لائقة، فكيف بهم يعاملون قامة مثل الدكتور بديع في مكانته العلمية فضلاً عن كبر سنه، بهذه الطريقة".
وتابعت آنذاك "وطبعاً الزيارات ممنوعة تماماً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016، فلا نستطيع حتى أن نُدخل له أي طعام يساعده على البقاء، تمّ أيضاً سحب الصابونة ومزيل العرق وجميع أدوات النظافة"، وأشارت إلى أنه "دخل أكثر من 30 ضابطاً الزنزانة، طبعاً ليس بهدف تجريدها فهي بالفعل مجردة لا يوجد بها إلا والدي فقط، الهدف هذه المرة هو تدميرها، فقد تمّ قطع ستارة الحمام عند والدي، وتكسير بلاط الزنزانة عند (رئيس مجلس الشعب السابق) د. محمد سعد الكتاتني".
ولم يحرك نظام عبدالفتاح السيسي ساكناً إزاء الدعوات الدولية المستمرة، ومنها ما صدر من مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، والتي بلغت أوجها عقب وفاة مرسي، وخلال جائحة فيروس كورونا الجديد الحالية، لتحسين أوضاع السجناء والسماح لهم بالزيارات العائلة وتلقي العلاج، واتباع عقوبات بديلة لكبار السن والشيوخ والمرضى منهم، فضلاً عن إجراء تحقيق مستقل حول وقائع الوفاة السابقة، لا سيما وأن سجون السيسي تضم آلاف المعتقلين المهددين بمصير عاكف ومرسي والعريان، سواء بالحبس الانفرادي والتعذيب المعنوي أو بالإهمال الطبي، ومنهم مرشد الجماعة محمد بديع (76 عاماً) ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح (69 عاماً) ورئيس مجلس الشعب الأسبق سعد الكتاتني (68 عاماً) والمرشح الرئاسي الأسبق حازم صلاح أبو إسماعيل (59 عاماً).