شاب من غزّة الموجوعة.. يوزّع الابتسامات

22 ديسمبر 2014
يزور عبد الله الأطفال في المستشفيات لمواساتهم (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تعد الطفلة وصال أبو جابر (12 عاماً)، المصابة بفشل كلوي، تشعر بالملل الذي كان قبل نحو عام من الآن. فالشاب عبد الله الربعي حوّل زيارتها، المتكررة أسبوعياً، إلى مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزّة، إلى ما يشبه رحلة ترفيهية تمنحها لحظات من السعادة.

فقد أطلق عبد الله حملة اجتماعية، بتمويل ذاتي، تهدف إلى توزيع صور وملصقات ورقية تحتوي على تعبيرات تدعو إلى الابتسامة، وبدأها بتوزيع "دبّوس الابتسامة" على زملائه في الجامعة الإسلامية بغزة.

يذكر عبد الله (24 عاماً) لـ"العربي الجديد" أنه كان يتحدث مع زملائه عن ضرورة عدم تحميل النفس أكثر من طاقتها، والتخفيف من الهموم بالابتسامة، الأمر الذي لقي قبولاً واسعاً من الطلبة، ما شجعه على توسيع نطاق الحملة لتشمل المتنزهات المحيطة بالجامعة.

وتهدف الحملة في المقام الأول إلى جعل الابتسامة ثقافة ثابتة عند مختلف الفئات العمرية، وليس فعلاً لحظياً عابراً، وفق قول عبد الله، الذي أشار إلى أن كافة أنشطة الحملة تُموَّل من مصروفه الشخصي، بينما تجري الاستعدادات لتشكيل فريق شبابي للحملة.

يضيف عبد الله: "في غزّة العديد من الأسباب التي تدفع الناس إلى اليأس والحزن، كالحصار الإسرائيلي، الذي أضاع مصدر رزق مئات العائلات، وكذلك اعتداءات الاحتلال المتكرّرة على السكان. إلا أن ذلك كله سيزول حتماً، ولكن ابتسامة شعبنا النابعة من صموده هي التي ستبقى وتنتصر".

وجاءت حملة "بائع الابتسامات"، بعد سلسلة من المشاركات الفاعلة للشاب عبد الله في الحملات التطوعية والإنسانية التي كانت تقدم الدعم النفسي وتنظم الأنشطة الترفيهية، التي ترسم الابتسامة على وجه المتلقي لدقائق معدودة، بينما تسعى الحملة إلى ابتسامة أكثر دواماً.

وواجهت الحملة لحظة انطلاقها صعوبات عدة، أبرزها نظرة المجتمع المحلي لها. ويوضح عبد الله "عندما كنت أطلب من شخص أن يبتسم وأقدم له هدية بهذا الخصوص، فوراً يبادرني بكم كبير من الأسئلة التي تدور غالباً في فلك معاناة سكان القطاع اليومي، من إغلاق المعابر، وتأخر الرواتب، وعدم البدء بإعمار القطاع".

وينطلق عبد الله في مواجهة الأسئلة السابقة، من عاملين: العامل الديني والآخر النفسي، فيؤكد على "أن الدين الإسلامي دعا إلى نشر الخير والابتسامة بين الناس، فضلاً عن حث السنة النبوية على الابتسامة في وجوه الآخرين. أما الاجتماعي فبالتأكيد على دور الابتسامة في نشر المحبة بين الناس والتقريب بينهم، والتخفيف من حدة الأحقاد".

كثيراً ما يُسمع أن مثل هذه الحملات تصلح وتأخذ مكانتها في الدول المستقرة وذات الرفاهية العالية، وليس في قطاع غزّة، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، إلا أنّ الشاب الغزّي كان يخوض مع الغزّيين نقاشات متبادلة أبرز فيها أن "الدين الإسلامي عندما طالبنا بالابتسامة، فهو لم يحدد زمانها أو مكانها، بل اعتبرها صدقة مقابل أجر".

واستهدفت حملة عبد الله حتى الآن غالبية فئات المجتمع، فانطق من طلبة الجامعات، ثم كبار السن، مروراً بالأطفال المتواجدين في رياض الأطفال أو معاهد الأيتام، وكذلك كثف نشاطاته خلال الشهور الماضية في المراكز الصحية والمستشفيات، في حين يستعد لتنظيم حملة خاصة بسائقي المركبات.

الشابة أريج أبو دية، هي واحدة من الذين دأب عبد الله على زيارتهم في المستشفى والتخفيف من معاناتهم. تقول أبو دية في حديثها لـ"العربي الجديد" إنّ "ما يميز حملة بائع الابتسامات أنها مشروع تربوي مصغر، مخصص لنشر ثقافة الابتسامة في المجتمع، بجانب أنها تقنعك بأهمية الابتسامة، بغض النظر عن الظروف الصعبة التي يمر بها الإنسان".

وتتطرق أبو دية إلى ندرة البرامج المتكاملة الدائمة التي تخفف من المعاناة النفسية لكافة شرائح القطاع، وليس لفئة معينة منه كالأطفال، وكذلك امتلاء المحتوى الإعلامي؛ سواء التلفزيوني أو الإذاعي أو وسائل التواصل الاجتماعي، بمشاهد الحزن وقلة اللقاءات التي تبعث في النفس التفاؤل والأمل.

وتأخذ حملة بائع الابتسامات أشكالاً مختلفة، فبجانب توزيع "دبوس الابتسامة" على مختلف شرائح المجتمع؛ سواء في الجامعات أو المستشفيات أو في الشوارع العامة، يجتهد صاحب الفكرة في التواجد بين الأطفال ليوزع عليهم بالونات، بعد رسم ابتسامة عليها، وكتابة اسم الطفل مع أمنيته، وتوزيع ملصقات كتابية تحث على الابتسامة.
المساهمون