شاب سوري.. مشروع غريق في هجرة لبلاد الإغريق

31 مارس 2014
محمد خاض تجربة هجرة مريرة إلى اليونان
+ الخط -

 خاض الشاب السوري محمد علي (23 عاماً) تجربة مريرة بعدما قرر الهروب من الحرب في سوريا إلى المجهول معرّضاً حياته للخطر، عندما قام خفر السواحل اليونانية بإطلاق النار على المركب الذي كان يقله مع 16 شاباً سورياً آخرين في رحلة على مركب للهجرة غير الشرعية. 

من ميناء "إزمير" التركي كانت بداية الرحلة، عندما اتفق محمد مع أحد سماسرة البحر على نقله إلى سواحل اليونان بمقابل مادي، وبدأت مطلع مارس/آذار الجاري المخاطرة في قارب صغير حشر فيه أربعة أضعاف حمولته، 16 شاباً سورياً لم يجدوا بداً من الركوب فيه للوصول إلى الجنة الموعودة التي لم تكن سوى فصل من العذاب بعدما واجه، ورفاقه، شبح الموت.

يروي محمد علي لـ"العربي الجديد" فصول مغامرته، وهو الشاب الذي لا يفارق الكرسي المتحرك منذ إصابته عقب حادث سيارة في مدينته. كان في انتظاره ورفاقه مفاجأة غير سارة قبل الوصول إلى السواحل اليونانية،  فبعد ساعات من الإرهاق والمكابدة، واجههم مركب تابع لخفر السواحل اليونانية طلب عناصره منهم الوقوف، وحين رفض سائق المركب الامتثال إليه، التف بمركبه عائداً أدراجه من حيث أتى، لكن خفر السواحل لاحقوا المركب وبدأوا يصطدمون به بهدف إغراقه، ولما لم يستجب السائق أطلقوا النار في الهواء بداية ثم شرعوا في إطلاق النار على المركب.

ويمضي محمد علي سارداً جوانب من لحظات الموت التي واجهها مع رفاقه في عرض البحر قائلاً: "في تلك الأثناء شعرنا بأنهم يتعاملون معنا وكأننا مجرمون أو إرهابيون، يلاحقوننا ويريدون التخلص منا بأية طريقة، وظننا، في النهاية، أنهم قادمون لقتلنا وإغراقنا في مياه البحر".

وبلغ الموقف ذروته عندما أصابت نيران اليونانيين راكبين أحدهما فتاة أصيبت في ظهرها وراحت تنزف بغزارة، وتاهت صرخات الركاب في مهب أصوات رصاص خفر السواحل العشوائي.

ووسط ارتباك الركاب أصيب شخص كان على سطح المركب المكشوف، وهنا قام الشبان المهاجرون على المركب بالإمساك بسائقه الذي استمر برفضه التوقف خوفاً من العقوبة المنتظرة، حتى قفز أحد عناصر الخفر فألقى القبض عليه، وبدأ آخر يوجه له اللكمات قبل أن يسيطر على الوضع.

ويردف محمد "عندها طلبنا منهم أن يسعفوا الركاب الذين أصيبوا وهم بحالة نزيف، فلم يستجيبوا لنا بل راحوا يشتموننا بالإنكليزية ويصرخون في وجوهنا (اصمتوا اصمتوا)  وقاموا بعدها بربط قاربهم بقاربنا وطلبوا منا إخلاء المصابين ونقلهم إلى مركبهم، وطلبنا منهم أن يسمحوا لشابين من الركاب بالصعود إلى مركبهم كي يتسلموا المصابين ويضعوهم في مكان مريح ريثما يصلون إلى مكان إسعافهم.. فرفضوا هذا الطلب، وأصروا على رميهم على سطح المركب، فقام  الشبان  بحمل المصابين وألقوا بهم، بصعوبة بالغة، على سطح مركب خفر السواحل لأن مركبهم كان أعلى"، واستكملت ــ الرحلة المغامرة بقيادة أحد عناصر الخفر للقارب باتجاه جزيرة "خيوس" اليونانية ببطء شديد.
وبعد نصف ساعة ــ بحسب محمد علي ــ أتوا بقارب ثانٍ للخفر وطلبوا من الركاب أن يصعدوا إليه، وكانوا يرمون بهم رمياً فوق المركب مع الصراخ والشتائم، ثم ساروا بالقاربين لنحو نصف ساعة قبل أن يأخذوا الركاب إلى سفينة كبيرة تابعة للخفر اليونانيين، ورغم أن الجزيرة "خيوس" كانت قريبة ولا يستغرق الوصول إليها دقائق معدودة، ظلت السفينة تتجول بالشبان السوريين حوالى الساعة تقريباً وهم في حالة سيئة من البرد والإرهاق وثيابهم مبللة.
ويضيف محمد علي قائلاً "كانت لحظات اعتقال رفاقي التسعة في المركب مروّعة إذ كان المركب يسير بسرعة هائلة وكان الشبان يطيرون في الهواء عند كل موجة عالية، ويتقافزون بعضهم فوق بعض والماء يبللهم، وعندما كانوا يقولون لسائق المركب لماذا تفعل بنا هذا ــ كما علمنا منهم في ما بعد – كان يقهقه ولا يرد، وبعد دقائق أركبوهم في السفينة التي كنا فيها وراحوا يدورون بنا في المياه لمدة ساعة ثانية، ثم ذهبوا بنا إلى مكان آخر حيث أركبوا 16  مهاجراً آخرين وضعوهم في الطابق الثاني من السفينة ثم أخذونا إلى جزيرة "خيوس" كل على حدة".

 

تحقيقات وتلفيقات

 

في قسم الشرطة اليونانية كان محمد ورفاقه على موعد مع ما وصفه بـ"مزاجية" القائمين على التحقيق كما يقول، بدءاً بالمترجم السوري الذي كان يتدخل في كل شاردة وواردة ويفرض عليه ما يقول وما لا يقول، وصولًا إلى المحققة اليونانية التي لم تستمع إليهم جيداً. وينقل محمد عن المترجم قوله "إن رفاقكم رووا القصة وهي فهمت فحواها فصارت تكتبها تلقائياً".
لكن طريقة التحقيق تكذّب المترجم ــ بحسب محمد ــ فالتحقيق مع كل واحد استمر أكثر من ساعة رغم ما كان يعتري الشبان من إرهاق وجوع، دعت محمد إلى التعبير لهم عن خيبة أمله بطريقة تعامل اليونان، لأنها "إحدى دول الاتحاد الأوروبي والمفترض أنها تحترم حقوق الإنسان".
ويعيد محمد لـ"العربي الجديد" ما سبق أن أفاد به أثناء التحقيقات قائلاً "جئنا إلى اليونان من أجل أن نكمل حياتنا، والآن نفاجأ بأنكم تكتبون على لساننا ما يحلو لكم، ومع ذلك أنتم منزعجون لأننا نتكلم بصراحة عما جرى".
ويضيف بأن المحققين كتبوا في التحقيق أننا نحن من بادر بإطلاق النار، وأن خفر السواحل التركية هم من قاموا بكل ما فعلوه، أي هم من تحرش بالقارب وحاولوا قلبه أكثر من مرة وأطلقوا النار عليه، ولكننا قلنا إن مركبنا كان يهرب منهم لأنهم كانوا يطلقون عليه الرصاص الحي.
ويختم الشاب السوري بأن التحقيق انتهى بهم إلى معسكر اعتقال، واصفاً المعاملة هناك أيضاً بأنها سيئة، فلا دورات مياه نظيفة ولا فرش ولا أغطية، إضافة إلى وجود سلالم وأدراج لا تناسب الوضع الصحي لمحمد الذي  تسببت ثمانية أيام قضاها هناك في إصابته بأمراض في جلده نتيجة "قلة النظافة"، ليخرج بعدها من المعسكر، ويتخذ من بلاد الإغريق مسكناً مؤقتاً، رافضاً اللجوء في اليونان في انتظار فرصة  تنقله إلى دولة "تحترم حقوق الإنسان" على حد تعبيره.