سِيَر الآخرين

16 مايو 2019
مقطع من عمل لـ علي بلاغة/ تونس
+ الخط -

كلّما حاولنا استحضار أعمال عربية في جنس السيرة الغيرية، أو ما يُعرف بالبيوغرافيا، بدت أعمالٌ وضعها طه حسين وعبّاس محمود العقاد، منذ عقود طويلة، كأبرز النماذج لهذا النوع من الكتابة في ثقافتنا، وكأن الرجلين مثّلا عصراً ذهبياً مبكراً لم يجد له أفقاً في ما بعده من كتابات، في ما عدا استثناءات قليلة متناثرة هنا وهناك.

طبعاً، لا تبقى في غربال جنس السيرة الذاتية تلك الأعمال الخفيفة التي ترسم في ضربات سريعة صورة عامّة عن شخصية تاريخية، ولا تلك الأعمال التي تستند إلى الشهادات فتتحوّل إلى سيرة ذاتية كتبها شخص آخر، ولا تدخل ضمنها الروايات التاريخية التي ترمي بكل العناصر في مرجل التخييل فيذوّبُها. إنها ذلك النسيج المكثّف الذي يعيد بناء حياةٍ في نص، قائماً على مقادير دقيقة بين السرد والتوثيق التاريخي، فلا يجور أحدهما على الآخر.

ليست هذه الشروط صعبة المنال على الكاتب العربي، غير أنه - رغم ذلك - يُحجم عن كتابة السيرة الغيرية. فما الذي يُبقي هذا الفن من القول خجولاً لا يتقدّم في فهم شخصياتٍ إشكالية عديدة لا شكّ وأن تاريخنا المعاصر يعجّ بها؟

لننظر في إحدى إشكاليات جنس قريب؛ السيرة الذاتية. ألم يجد كثيرون أنفسهم تحت طائلة المساءلات وهم يُعيدون تركيب سير حياتهم، فما بالهم لو اقتحموا حيوات الآخرين؟ كم يحتاج التأليف إلى أريحية لا تتوفر عليها الثقافة العربية بعدُ.

دلالات
المساهمون