سَأُعايِنُ بَرَاكينَ ومقالعَ أحجار

26 مايو 2015
+ الخط -
عَامِلُ الكَهْرَبَاء ذَاكَ وَزَوْجَتُه

عَامِلُ الكهرباء ذاكَ وزوجتُه اللذَانِ كانا
يشربان كثيرا في الحانة الوحيدة
على شاطئ البحر،
يُردِّدان أغانِيَ لجِيمْ مُورِيسُونْ،
ويقولان، بحزن، إنهما ربَّيَا سفينةً صغيرة
لكنَّها أبحرتْ ذاتَ ليلة
ولمْ تَعُدْ
رأيتهُمَا أنا وشخصٌ ذو جبينٍ أحمر، قبل
لحظات، واقِفَيْن
بداخل سكّة القطار
يحيط بهما الخلاء من كل جانب
دَفَعْنَاهُمَا بكلّ قِوانَا
ولم نستطعْ زحزحتهما
الشّخصُ ذو الجبين الأحمر أخذ أحجارًا
وبدأ يرميهما بها
ليجعلهما يخرجان من بين القضيبين
أما أنا فإنِّي أركُض وأركض
وبمجرّد ما أرى أناسا آخرين
سأصرخُ بملء صوتي
طالبًا النّجدة


أهذه هي الغرفة؟


كنتُ في رحلة بحريَّة وهاج البحر كثيرًا وَعَمَّ الخوف
بين الرّاكبين وها أنا الآن
وحيدٌ في غرفةٍ بابُها - هذا ما أذكره بصورة
مُبهمة - يبدو كما لو أنّه كان يتّسع
ثمّ يتقلّص رويدًا رويدًا
أَذْكُرُ، بشكل غامض، أنّ جدرانَها،
من الخارج، كانتْ ملساءَ جِدًّا
وباردةً وكأنّها مُنحنية وكأنّ الأصابع
تكادُ أن تثُوخَ فيها
وحيدٌ أنا في هذا المكان المُغلَق الذي
لا أدري حقًّا كيفَ حَلَلْتُ به
سَلْوَى
أهذه هي الغرفة على الشاطئ التي طالما
التقينا فيها خلال
ذلك الصّيف القديم؟
سَلْوَى سارِعي بالمجيء وقُولي لي
أَهُوَ التّيار الكهربائي مُنقطعٌ هنا؟
أمْ تُراكِ لا تستطيعين المجيء
لأنّ هذه ليست أصلا غرفة؟
لأنّها، ربّما، حُوتٌ حقيقيّ
سأقيمُ في جوفِهِ زمنًا
وبعدها يُلْقِي بي
على ساحلٍ
جميل؟


كنتُ لِلتَّوِّ قدْ وَصَلْت

كُنْتُ للتّوّ قَدْ وَصَلْتُ إلى تلك المدينة
التي لم أَزُرْها منذ صيف قديم
وكان جرَّاحونَ على شاطِئِها
يُخْرِجون من جُمْجمةِ غريقٍ جِيءَ بِه من عُمْق اليَمّ
طحالبَ وقواقع
وبِمُجرَّد ما يُعيدونَها إلى البحر
يَقِفُ ذلك الغريق ويُكْمل إغلاقَ جُمجمته
بيديه
ويُحَيِّي الحُضُورَ بإشارة
وَبَعْدَها يأتي مُمَرِّضُونَ بغريقٍ جديد ويُمَدِّدُونه
على سرير الجراحة
فيما يكونُ سابقُهُ قد رَكِبَ
درَّاجته النَّاريَّة ومَضَى نحو بيته
حَيًّا ولكنْ بِلا لَحْمٍ يَكْسُو عِظامَه
بلا لحْمٍ ولكنْ بِروح مَرِحة...
أصدقاؤه سيحتفلونَ بعودته
هذا المساء
وسيلاحظون أنّ لَهُ في الرّقصِ
هَزّةَ كتفٍ
لا تُضَاهى


غُيومٌ تَفْتِلُ أنْفاسَهَا حبالا

هذه الصّورة بهذي الصّحيفة
هي لِبَطلةٍ في القفز بالزّانة كانتْ قد أصبحتْ
حبيبتكَ خلال صيفِ سنة
البكالوريا
أنتَ كنتَ تُحْسِن تسلّق الحبال
وَكَمْ مرّةٍ حَدَثَ أن حملتْكَ الرّيحُ وترنَّحَتْ بك
وَرَمتْ بِكَ في قَعْرِ وادٍ سحيق
وكانتْ غُيومٌ تَفتِلُ أنْفاسَهَا حبالا
وتُدَلِّيهَا صوبَك
وكنتَ تتسلَّقُ حَبْلًا وتعودُ في سلام
إلى عالَمك المألوف
وهي، البطلة في القفز بالزّانة
كانتْ، كُلَّما ضَجِرَتْ على هذه الضِّفَّة مِن حياتها
تمضي بزانتها إلى جُرْفٍ شاهق
وتقفز إلى الضّفّة الأُخرى
حيثُ مُهِمَّتُها تنظيمُ صفِّ الأنهار الشّائخة
أمام مأوًى للعجزة...
بَطَلٌ في تسلُّق الحبال
وبطلة في القفْزِ بالزّانة
كان يمكنكما أن تُشَكِّلا زوجًا رياضيًا
1، 2، 3، ويبدأ الجَرْيُ فَجْرًا
لكنّكما انفصلتُمَا...
والآن حين يجيء الفجر يجدكَ
غاطًّا في النَّوم
فلا هرولة ولا جَري
إنّما هي الفودكا العجوز، فحسب، تُنْهِي
في عروقك
ماراتونَهَا الليْليّ


الجسرُ السّاخنُ ظَهرُه


الجِسْرُ السّاخنُ ظَهْرُه
بسببِ نَزْلة برد
المصابةُ عُمُدُه بالحمَّى
الذي قَطَعْتُه قبل ساعة
هو الذي أخطِّط الآن لأبحاثي
المتعلّقة بتاريخه
وبمسقط رأس أحجاره
أبحاثي التي سأزور من أجلها
أصقاعًا نائية
وسأعاينُ براكين
ومقالعَ أحجار
اذهبي الآن لتنامي سلوى
ما دمتِ سترافقينَنِي منذ الصّباح الباكر
في رحلةِ بحثي الطويلة عَبْرَ جِسْرِنا
العتيد
الذي تُسَخِّنُه نزلةُ برد
وتَمْرُق عبره أرواحُ أسْلاف
مُنْدسَّةً
في قواقع
وأنتِ بلباس البحر


ذات صباحٍ كنتُ في مقهى على الشاطئ
وكان ثمّة سبّاحون يدخلون إلى المياه ويتقافزون
شاعِرِينَ، ولا شكّ، بالرّعشة
كنتُ بدأتُ أقرأ أخبارًا في صحيفة
لكنْ سرعان ما استأثَرَتْ بانتباهي تَنُّورةٌ قادمة
فارغةً من صاحبتها
مُرْتَفِعةً عن الأرض وأطرافُها تهتزّ إذْ
يعبثُ بها النّسيم
وبَدَتْ لي
أثناءَ قُدُومِها متهاديةً مِنْ خلفِ تلّةٍ صغيرة على الشّاطئ
أليفةً لعينيّ
قُلْتُ في نفسي: لا شكّ أنّ صاحبتها
كانت لي عشيقة
وها هي الآنَ في كامل عُرْيِها
وكما لو كنتُ مسلوبَ الإرادة
نهضتُ ومضيتُ باتّجاه التّلة
وخلفها، كانتِ الابتسامةُ العريضة على
وجهكِ وأنت بلباسِ
البحرِ، سَلْوى
لَم نكن، من قبل، قد تبادلنا غير نظراتٍ
في ردهة الكلّية
وأخريات بباب صيدليّة
وقلتِ: تنّورتي
أرسلتُها لتأتيَ بك أيُّها الخجول
وها هي الآن عائدةٌ
نحوي

غريبٌ في تلك المدينة

كنتُ غريبا في تلك المدينة ولذا
آثرتُ أنْ أَحْلِقَ شَعْرِي في المَحَلّ المُسَمَّى
"عند حَلَّاق الغُرباء"
أصبحتُ وصاحبَه، بمرور الأيّام، صديقَيْن
ومرّة أغلقَ مَحلَّه واختفى أيّامًا
وحين عاد، أهداني قنِّينةَ فودكا
قال إنّه جلبها لي من بلدة ما في روسيا
فقد سافر إليها خلال الأسبوع الأخير لأنَّ لَه
خالةً هناك
نَفَقَتْ لها نَعْجَات
ومضى لِيُعزِّيها
ذلك كان من جميل المصادفات
ففي تلك الأيّامَ بالضّبط كنتُ قَدْ
بدأتُ أدرسُ الرُّوسِيّة
على يَدِ امرأة جميلة
امرأةٍ كانَ بمقدورها ألَّا تستقبل
الموسيقى بأذنيها إذا هي شاءتْ
وأن تَشُمّها شمًّا وهذا ما يُفَسِّر كيف أنّها كانت أحيانًا
تَرقصُ حتّى على
طنين نَحْلَة
فهذا الطَّنين إذْ كانتْ تجعلُه ينفُذُ عَبْرَ خيشوميها
كان يسري في عظامها
وقدْ أصبح عارمًا مثلما سيمفونية تعزفها أوركسترا
متحمِّسة
وكنتُ أمضي إلى مَحَلِّ صديقي من حين لآخر
وكان يحدُثُ أن يتسلَّلَ أمواتٌ
بين زبائنِهِ ليقُصَّ لهمْ
شَعْرَهُمْ
قال لي إنّ واحِدًا منهم كان في حياته
عُضوًا
في الأكاديمية الفرنسية
لَمْ يحدُثْ أن تحدَّث صديقي بأمرهمْ لأَحَدٍ غيري
ولا وَقَعَ أنْ تكلّمتُ عنهمْ إلَّا مع
نفسي
ولا ندري كيف نُمِيَ الخبرُ إلى البوليس
الذين عمدوا إلى دَسِّ مُخبرين
حول المقابر
قبل أيّام كنّا، ثلاثتُنا، نتعشّى معًا
وبدا لي أَنَّ الحلَّاقَ صديقي
لو تزوّج من أستاذتي الجميلة
لَشكّلا أُسرةً سعيدة
ولأنجبا ولا شكّ أطفالًا
عجيبي الذّكاء
أمّا أنا فرَبُّ بيتٍ منذ سنين طوال
أستيقظُ باكرا في كلّ يومٍ وأمضي إلى الغابة
لأخطبَ في العصافير
وفي المساء أَكْرَعُ الكثير
من قناني
البيرة
المساهمون