سينما العشرية السوداء: اللجوء إلى سرديّة المرأة

29 أكتوبر 2014
من "حريم عصمان" لـ نذير مخناش
+ الخط -

إن كانت السينما مرآة لآلام الناس وسعادتهم، وانعكاساً للذات والحلم، فإنها يمكن أن تُستعمل أيضاً كأداة دعائية وترويجية. مع ذلك، فإنه يمكن للفن السابع أن يداعب ذاكرتنا الممتدة، وماضينا المُشبع بالحزن أو الفرح. إنه أداة نرى من خلالها الماضي، عبر إطار محدود ببُوصات، وكأنه نافذة مفتوحة على الزمن، صنعت من معدن الوهم أو السحر.

أفلام جزائرية عديدة أعادت إنتاج الألم سينمائياً، مستحضرة سنوات الدم والدمار التي عرفتها البلاد، أثناء حرب أهلية دامت أكثر من عقد. حرب عاش أثناءها المجتمع الجزائري كل أنواع المآسي، من قتل وفقد واختطاف، إضافة إلى أحاسيس الفزع الدائم، وعدم الثقة في أقرب الناس، والسقوط في شرك خوفين: خوف من نظام يبطش بمجرد الشك، وخوف من جماعات مسلحة تذبح لمجرد التخويف.

بين هذا وذاك، تنوعت الذاكرة الجماعية الجزائرية، وامتلأت بمشاهد الدم والدمار والخراب والخوف من الآخر. انعكس هذا على صنّاع السينما الذين عاشوا تلك الفترة، وتأثّروا بها بشكل أو بآخر. فحاول غالبيتهم نقل ولو جزء يسير من تلك المشاهد المفزعة، حتى أصبحت هناك مدرسة سينمائية مستقلّة بذاتها، اسمها "سينما العشرية السوداء".

سلّط العديد من المخرجين الجزائريين الضوء على هذا العقد، ووجهوا عدسات كاميراتهم بشكل مباشر على مآسيها. يمكن الحديث هنا عن ثلاثة أفلام للمخرج مرزاق علواش: "باب الواد سيتي" و"العالم الآخر" و"التائب"، كما يمكن أيضاً استعادة ثلاثية نذير مخناش الشهيرة، وهي "حريم عصمان" و"تحيا الجزائر" و"بالوما اللذيذة"، والتي قارب فيها الأزمة ذاتها مغطّياً كل مراحلها الزمنية.

تشترك هذه الأشرطة في أنها نقلت واقع النساء الجزائريات في تلك الفترة وتحدياتهن من زاوية مختلفة وغير مكررة سينمائياً. وهذا ما عبّرت عنه بصورة أوضح المخرجة يمينة شويخ، في فيلمها "رشيدة"، الذي يحكي معاناة معلمة مدرسة في فترة أحكمت فيها الجماعات المسلحة المُعارضة قبضتها الحديدية على العديد من القرى والمناطق، وفرضت سلطتها وقوانينها عليها.

أما المخرج رشيد بنحاج، فقد روى، في فيلمه "عطور الجزائر"، قصة كريمة المقيمة في باريس، والتي تهوى التصوير الفوتوغرافي. تتلقى كريمة اتصالاً من والدتها المقيمة في الجزائر، لتخبرها بأن أخاها قد انخرط مع الجماعات المسلحة، واعتقل من طرف السلطات، ما يعيدها إلى أرض الوطن والماضي.

وفي فيلم جميلة صحراوي المعنون بـ "يما"، تنقل المخرجة التي أدّت دور البطولة أيضاً، حياة ويوميات ورديّة التي تعيش في قرية منعزلة، إلى جانب قبر ابنها الذي اغتالته جماعة مسلحة يقودها ابنها الآخر، علي.

أما المخرج شريف عقون، فقد روى في فيلمه "البطلة" قصة امرأة ناجية من أحد المذابح. وسلّط المخرج بلقاسم حجاج في "المنارة" الضوء على كيفية اختطاف النساء من طرف الجماعات المسلحة. الأمر نفسه فعله محمد شويخ في "دوار النسا"، الذي أبرز من خلاله مقاومة المرأة للغة السلاح، ونضالها المستميت للحفاظ على أسرتها وشرفها ووطنها.

وهذا ما تناوله أيضاً مخرجون آخرون، مثل محمد يرقي في "حورية"، وفاطمة بلحاج في "مال وطني"، ونادية شرابي العبيدي في "ما وراء المرآة".

أعادت هذه الأفلام وغيرها إنتاج واقع ذلك الزمن من منظورها الخاص، وذهبت مباشرة إلى مشاهد الأزمة وأعراضها، من دون أن تنقل المُسببات الحقيقية لها. هي أفلام ركزت على حال المرأة في تلك الفترة، متطرقة إلى الجانب الأمني من الأزمة، ومُتناسية، عن قصد أو غير قصد، الجانب السياسي المحرك للعملية برمّتها.

دلالات
المساهمون