سينما اسكندينافيا: 7 ملايين تذكرة في ستة أشهر

11 نوفمبر 2015
أمام إحدى الصالات (العربي الجديد)
+ الخط -
في السنوات الماضية، بدا مشهد ارتياد الناس لدور السينما في عددٍ من الدول كئيبًا، حيث انتشرَت متابعة الأفلام عبر وسائط مُختلفةٍ ومتعدّدة، بما فيها الهواتف الذكيَّة. إضافة إلى انتشار ظاهرة "قرصنة" أحدث الأفلام، حيث يتجمّع عدد من الشبان لمتابعة أمسية سينمائية "مقرصنة" في المنازل.

تلك المعاناة يبدو أن السويد والنرويج قد تجاوزتاها، إذ تزايد أعداد مرتادي دور السينما بشكل ملحوظ عما كان عليه سابقًا. لكن في الجارة الدنمارك، يبدو الأمرُ أكثر تفاؤلاً عما كان عليه العام الماضي. فخلال النصف الأول من هذا العام فقط بيع حوالي 7 ملايين تذكرة، بزيادة حوالي 20% عن العام السابق. وما يأمله القائمون على صناعة السينما هو الوصول إلى 15 مليون بطاقة سينما هذا العام. حيث يعتقدُ القائمون على "نورديسك فيلم" (أكبر مؤسّسات صناعة السينما في دول الشمال، وهي تملك عددًا من دور السينما و6 ملايين بطاقة سنوية فقط في الدنمارك) بأنَّ العام الحالي سينقذُ العديد من دور السينما الصغيرة في القرى والأرياف البعيدة عن المدن الكبيرة.

وقد كان كلَّ من "FAST AND FARIOUS 7" و" FIFTY SHADES OF GREY" الفيلمين الأميركيين الأكثر مشاهدة من الجمهور الدنماركي.

الأرقامُ الرسميَّة التي يختصُّ بها المركز الوطني للإحصاء تتحدث بأنَّ العام 2012 كان عامًا جيدًا، حيث شهد دخول أكثر من 14 مليون مرتاد لدور العروض، ثم تراجع في 2013 وها هو يعود في 2015 لتجاوز ما وصل إليه في العام الماضي. وبحسب مدير تأجير الأفلام في البلد، ميكال فليشر، في حديثه للتلفزيون الدنماركي في 2012 أن " أعلى نسبة مشاهدة شهدها بلد صغير، في الدنمارك، بلغت بيع 60 مليون بطاقة سينما هي عام 1959. لكن في ذلك الوقت، لم يكن عند الناس ما تفعله مثل هذه الأيام".

افتتحت السينما الأولى في الدنمارك في سبتمبر/أيلول عام 1904 في أوسترغاده في وسط كوبنهاغن، ثم سرعان ما انتشرت دور العروض لتشهد تحولات كبيرة، من الأفلام الصامتة إلى أفلام الـ70 مم وقنوات ستيريو 6 في الستينيات.

تتميّز الثقافة الاسكندنافيّة في ارتياد السينما، بشعبيّتها الواسعة بين كل الأجيال. وتُعتبَر السينما المحليَّة حالةً تميّز الدول الاسكندنافيَّة، فإلى جانب تشجيع دور السينما الموجودة في القرى، تتلقّى السينما المحلية دعمًا كبيرًا من البلديات ووزارات الثقافة، وذلك لتبقى قادرة على منافسة سينما المدن الكبيرة. وهذا يعتبر تقليدًا متوارثًا في المجتمعات الاسكندنافيّة يتمّ الحفاظ عليه. ولا تنتشر دور العرض الخارجية، بسبب طبيعة الطقس البارد حتّى في الصيف، كما في حالة أميركا وغيرها من الدول.

إضافة لذلك، نجد تشجيعًا كبيرًا للأفلام المصنعة وطنيًا، سواء في السويد أو الدنمارك. وفي الأخيرة، هناك جمهور للأفلام الكوميدية باعتبارها متعةً تخفف من توتّر الحياة. وبالعموم يحب الاسكندنافيون الفكاهة، وإن يسمّوها أحياناً في كوبنهاغن بـ"الفكاهة السوداء"التي تكون ناقدة إلى حد بعيد. طبعًا، هذا لا يعني أنَّ هنالك أفلامًا جادة، أو وثائقية طويلة لا تحظى باهتمامٍ واسع للجمهور. إذْ احتلّت الكوميديا الدنماركية مَكانةً مُتقدّمة من حيث المشاهدة أيضاً، حيث حاز الفيلم الجديد من سلسلة أفلام "أبناء أختي وحفاري الذهب" (من إنتاج فبراير/شباط 2015) على إعجاب مرتادي دور السينما. والفيلم يدورُ حول عائلةٍ دنماركيّة، ترسل العائلة الخال إيريك برحلة استكشافٍ إلى كندا، فيكتشف هؤلاء بأن لهم في كندا جذوراً تمتد إلى الأجداد. في كندا، تبدأ رحلتهم مع إيجاد الكنز في الطبيعة، والحفر بحثاً عن الذهب. الفيلم يعيد البريق لصناعة السينما الدنماركية، وسلسلتها العائليّة وخاصة فيلم "عصابة أولسن"، الذي حصل على 15 مليون مشاهدة قبل 30 عامًا.

وتتخصَّص أحيانًا دورُ عرض بجلب أفلام مميزة يحضرها مواطنون ومهتمون من الكتاب والمثقفين، ودائماً مع وجود مخرج أو كاتب سيناريست يقوم بمناقشة الفيلم المعروض. وهو ما حدث في أحد الأعوام بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر مع فيلم مايكل مور " Fahrenheit 9/11". تلك الدور المتخصصة تجذب أيضاً جمهورًا له ذائقة خاصة لا تقتصر على الأفلام الأميركيّة، فيمكن مشاهدة أفلام تونسية ومغربية وفلسطينية ولبنانية وإيرانية ومكسيكية وإسبانية وفرنسية قد لا تعرضها دور أخرى.

تُولَى عمليَّة النقد السينمائي أهميةً كبيرةً في الصحف ومواقع التلفزة الاسكندنافية، وفي نهاية الأسبوع، تعتبر الملاحق الثقافية أحد أهم مراجع النقد السينمائي، الذي لا يتعلق فقط بالأفلام الاسكندنافية بل يتجاوزها إلى أفلام لم يسمع بها الجمهور، وهو ما يحفز أيضًا على نمو ظاهرة ارتياد دور العرض تشويقًا وإثارةً واهتمامًا بالجديد الفني.

ارتياد السينما له طابع اجتماعي وتربوي مميز، فالطفل الذي تصنع له ديزني فيلمًا خاصًا به، يجرّ عائلته معه لحضوره كنوع من اللقاء العائلي، وهي لحظة يعتبرها كثيرون تربويّة في نهاية الأسبوع. وتعتبر دور العرض أيضاً ملتقى للأصدقاء والأحبة. ويتلقى الطلبة واليافعون تخفيضاتً كبيرةً على أسعار التذاكر بإبراز بطاقة المدرسة. بالطبع هناك أفلام لا يمكن للأطفال حضورها أو شراء تذاكر لها، رغم محاولة هؤلاء اليافعين التحايل على الموظفين بالادّعاء بأنهم فوق الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة أحيانًا.

تنتشرُ عمليّة بيع البطاقات في المتاجر والسوبرماركت. لكن الشبّان يفضّلون شراءها من دور العرض ليحصلوا على التخفيض. تبقى الإشارة إلى أن الشكوى كبيرة من ارتفاع أسعار بطاقات السينما، والميزانّية التي يجب أن تخصّصها العائلة لمشاهدة فيلم واحد تتجاوز الـ25 يورو للشخص البالغ شاملة المشروبات والمسليات.

باتت مؤسّسة "فيلم الشمال" أكثر اتساعًا وتحاول الهيمنة على دور العرض بعد شراء عدد واسع من دور السينما في العاصمة النرويجيّة أوسلو، ولكن هنالك دور عرض أخرى ترفض هيمنة مؤسسة "فيلم الشمال"، وتحاول الحفاظ على هويّتها.



اقرأ أيضاً: 7 فنانين تركوا الشهرة وانضموا إلى "داعش"
المساهمون