سيناريو خروج الحبيب الصيد: الاستقالة أو سحب الثقة دستورياً

14 يوليو 2016
يتمسّك الحبيب الصيد برئاسة الحكومة التونسية (فتحي نصري/فرانس برس)
+ الخط -
تدخل تونس بدءاً من اليوم الخميس، رحلة البحث عن أسماء وزراء الحكومة الجديدة ورئيسها، بعدما وقّع ممثلو الأحزاب التونسية والمنظمات المشاركة في الحوار، أمس الأربعاء، في قصر قرطاج، الوثيقة الختامية حول حكومة الوحدة الوطنية. ويعتبر التوصل إلى هذه النتيجة، بحد ذاته، مؤشراً يبعث رسالة طمأنة للتونسيين، ويهدئ الأجواء المتوترة، بشكل عام في البلاد. 

ومهمة تحديد الأسماء تبدو أكثر تعقيداً من الاتفاق على السياسة العامة للحكومة، على عكس ما هو سائد في بقية دول العالم. لذلك، يُنتظر أن تكون المشاورات حول تركيبة وعناصر هذه الحكومة الجديدة عسيرة، وقد لا تقود بالسرعة المنتظرة لتشكيلها في الأيام المقبلة، وفقاً لمتابعين. وتصطدم أولى الخطوات بموقف رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد، وإذا ما كان سيستقيل طواعية ويفسح المجال للبحث عن خليفته، أو سيرفض ذلك ويضطر الجميع للوقوف أمام البرلمان، مما قد يؤجل تشكيل الحكومة إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع أخرى، مع كل الانعكاسات السياسية للأمر. 

وفي ما يخصّ توقيع الوثيقة، يؤكد رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر أن المشاورات حول حكومة الوحدة الوطنية انتهت في قصر قرطاج وانتقلت بذلك إلى البرلمان الذي لن يتأخر في ممارسة واجبه الدستوري في سحب الثقة أو منحها للحكومة، فيما تؤكد قيادات في "نداء تونس" إمهال الحبيب الصيد لغاية 22 يوليو/ تموز الحالي للاستقالة طوعاً قبل الوصول إلى توقيع عريضة ضده. ويقول الناصر لـ"العربي الجديد" إنه جرى، أمس، التوقيع على وثيقة الوحدة التي جاءت كنتيجة، وصفها بـ"الممتازة"، للمشاورات التي تمت، وهدفها تجسيم الوحدة الوطنية والتضامن الوطني، خصوصاً مع التحديات التي تعيشها تونس".

وحول مصير الصيد، تؤكد مصادر حزبية عدة لـ"العربي الجديد" أنّ مؤسستَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لا تزالان على الموقف ذاته، بعد اللقاء الفاتر الذي جمع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بالصيد، يوم الإثنين الماضي، وانطلقت بعده مباشرة حملة سحب الثقة من رئيس الحكومة سياسياً، قبل سحبها في البرلمان، إذا أصر (الصيد) على اللجوء إليه.

وكان حزب "نداء تونس" أول الداعين إلى استقالة الصيد، لينضم إليه رئيس "مشروع تونس"، محسن مرزوق، بعدما أعلن، في البداية، عن دعمه له، لكنه سرعان ما غيّر موقفه بمجرد انطلاق المشاورات. وسجّل، أول من أمس الثلاثاء، دخول حزب الاتحاد الوطني الحر على الخط ذاته، ليؤكد رئيسه سليم الرياحي دعوته الصيد للاستقالة، وعدم تعقيد الوضع، والانتقال السلس للسلطة.

وفيما كان الجميع يؤكد أن حركة النهضة أبقت على دعمها للصيد إلى آخر لحظة، صرّح رئيس مكتبها السياسي، نور الدين العرباوي، بما أكدته مصادر من "الحركة" لـ"العربي الجديد"، منذ أسبوع، أن الحركة ستشكر الصيد على جهوده، لكنها ستدعوه للرحيل. وأوضح العرباوي موقف حزبه، بشكل حاسم، في تصريح إذاعي، مؤكداً أنّه "إذا أصر السبسي ونداء تونس على رحيل الصيد، وهما الجهتان اللتان اختارتاه، فإن النهضة لن تتشبث به، على الرغم من أنها لا تشكك في جهد الرجل ووطنيته". وقال العرباوي إنّ "لقاء الإثنين الماضي بين الرجلين، حمل إشارات واضحة لنهاية العلاقة بينهما"، داعياً الصيد إلى عدم تعقيد الأمور، لأن الوضع في البلاد لم يعد يحتمل ذلك. وجاء تأكيد زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، أمس الأربعاء، عقب توقيع الوثيقة، ليوضح الموقف نهائياً، إذ دعا الحكومة إلى إفساح الطريق أمام تنفيذ المبادرة، لأن البلاد لا تتحمل حالة الضبابية.

وعلى الرغم من أن الصيد لم يعلن عن موقفه، رسمياً، أشار الرئيس السبسي، في كلمة ألقاها بعد التوقيع على اتفاق قرطاج، إلى أنه يظن أن رئيس الحكومة الحبيب الصيد، الذي يعتبره "رجلاً نظيفاً، وقام بواجبه كما ينبغي"، يفضّل التوجه إلى مجلس النواب حتى يُبيّن الأعمال التي قام بها، مؤكداً أننا "لا نشك بما قام به منذ الآن". وشدّد السبسي على أن الأحزاب هي التي تختار رئيس الحكومة وليس الرئيس، كما ينص عليه الدستور، ملمحاً إلى أنها (الأحزاب) طالبت بتغيير الصيد.

وتأتي إشارة السبسي لتقطع الطريق أمام الصيد نفسه، لإحراج الرئيس والتحالف الحكومي، كما ينوي، ولإفراغ عملية تقديم المنجزات من محتواها، بما أن كل الأحزاب التي سحبت ثقتها من الصيد تقر بمجهوده. وتشير بعض المصادر الخاصة لـ"العربي الجديد" إلى أن المشاورات الخلفية للصيد مع بعض الشخصيات الفاعلة، خلال الأيام الماضية، لم تفلح في تغيير الموقف، ومن بينها لقاء مع الغنوشي، ما جعل أحزاب التحالف الثلاثة، باستثناء "آفاق"، تعلن الموقف ذاته، وفي الوقت ذاته، من خلال شكر الصيد ودعوته للرحيل.

ويبقى أن يُطرح السيناريو الدستوري، والذي يتم بمقتضاه تغيير الحكومة، إذ تشير مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أنه "إذا لم يستقل رئيس الحكومة من تلقاء نفسه، فسيكون على الأحزاب توقيع عريضة لسحب الثقة من الحكومة، أو يقدّم عدد من الوزراء استقالتهم، ليضطر رئيس الحكومة إلى عرض تشكيلته الجديدة أمام البرلمان لنيل الثقة عليها كاملة من جديد، مثلما حصل إبان التعديل الوزاري الأخير. وطرحت قيادات من "نداء تونس" لـ"العربي الجديد" فكرة أن يستقيل وزراء "النداء"، و"الاتحاد الوطني الحر"، للدخول في هذه المرحلة.

وفي حين يقر الدستور في فصله السابع والتسعين أن تقديم عريضة لسحب الثقة لا يمكن أن يتم اعتمادها لإعفاء الحكومة في الظروف الاستثنائية، إذ تعيش تونس منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني تحت وطأة إجراء استثنائي، وهو حالة الطوارئ، ما يعد اللجوء لسحب الثقة غير ممكن، يوضح القيادي في حزب نداء تونس، حاتم الفرجاني، أن المسألة كانت موضوع درس وأنه سيتم رفع حالة الطوارئ في 22 يوليو/ تموز الحالي. وبذلك ينتهي التمديد الذي أذن به الرئيس التونسي، وسيتم إثر ذلك الانطلاق في إجراءات سحب الثقة من الصيد، ما لم يقدم استقالته طواعية خلال هذه الفترة.

لكن السؤال المهم يتمثل في إصرار الصيد على هذا السيناريو الذي سينتهي في كل الحالات بإبعاده، بعدما اتفقت الأغلبية المطلقة في البرلمان على ذلك، وقد لا يقود بالضرورة إلى استعراض إنجازاته، خصوصاً وهو يعطّل مسار تشكيل الحكومة الجديدة. فهل ينوي الصيد كشف معطيات جديدة وإحراج الجميع بذلك، أو ينتقم من بعض المواقف والتصريحات التي أهانته، أو يراوغ الجميع، بمن فيهم السبسي، ويستقيل كما يؤكد أحد مقربيه لـ"العربي الجديد".